ملفـات وتقـاريـر

27 سبتمبر, 2022 03:26:09 ص
((إطلالة عامة على حي كرتير بعدن - اليمن ، تاريخ ٢٤ فبراير ٢٠٢٢ // صورة لمركز صنعاء بعدسة سام تارلينغ))

صوت الشعب - تقرير| مارينا دي ريخت عائشة الجعيدي:

ندين بالشكر، أولًا وقبل كل شيء، لجميع الأشخاص الذين كانوا على استعداد لإجراء مقابلات معهم والذين شاركوا قصصهم معنا، فلولا مساهمتهم، ما كان هذا البحث ليبصر النور. كنا متأثرين بتجاربهم الملهمة خلال مرحلة تحليل البيانات وإعداد هذا التقرير، الأمر الذي يشدد على أهمية تناول هذا الموضوع. سررنا بالعمل مع فريق من الباحثين المتفانين الذين تمكنوا من جمع البيانات في ظل ظروف صعبة وفي فترة زمنية قصيرة جدًا، وعلى ضوئه، نتوجه بالشكر لأعضاء الفريق (مروان حسن، وعثمان محمد سالم، ونسيم عارف المريسي، وأمل ناصر، وفطوم صالح).

زخرت الاجتماعات المنتظمة التي أجريناها عبر منصة (زووم) بالمعلومات دون أن تخلو من الأجواء اللطيفة. نتوجه بالشكر كذلك لمارتا كولبورن التي شاركتنا تجربتها في إعداد دراستها عن المهمشين وأعطتنا فكرة عن الأدوات البحثية التي استخدمتها لهذا الغرض. نشكر كذلك أمل ناصر وبلقيس اللهبي وخالد الدبعي ودلال عبدالرزاق الحبيشي وياسمين ناصر على مساعدتنا في تحديد الأشخاص المناسبين للمشاركة في استطلاعات الرأي المرتبطة بالبحث.

الشكر موجه أيضًا لأمل ناصر ونادرة عمرجي وعثمان محمد على قراءة المسودة الأولية لهذا التقرير. نعرب عن تقديرنا أيضًا لفريق المحررين الذين أفادونا بملاحظات قيّمة. وأخيرًا وليس آخرًا، نوجه شكرنا لياسمين الإرياني وعلي الديلمي، اللذين يسّرا إجراء هذا البحث ولم يتوانيا عن فعل كل ما من شأنه أن يعزز قيامنا بعملنا بالشكل الصحيح وإرشادنا متى احتجنا للتوجيه.

نهدي هذا التقرير لروح علي البطاطي، الصديق المقرّب من عائشة والذي وافته المنية أثناء مرحلة إعداده، حيث كان من أشد المهتمين بهذه الدراسة ومؤيدًا لإجرائها بحُكم كونه من الموَلَّدين.

فلترقد بسلام عزيزنا علي.

الملخص التنفيذي:

يشير مصطلح الموَلَّدين (مفرده موَلَّد وموَلَّدة) إلى اليمنيين المنحدرين من أسر تربطهم علاقات نسب تاريخية مع دول أخرى، حيث يُعدون في بعض الحالات من ذوي الأصول المختلطة (من أب أو جد يمني وأم أو جدة غير يمنية).

غالبًا ما يُستخدم هذا المصطلح على نحو انتقاصي، ولعقود ظل الموَلَّدون عُرضة لممارسات تمييزية حيث كانوا -ولا يزالون -محرومين غالبًا من حق الحصول على الجنسية وفي بعض الأحيان على التعليم، وعُرضة للتمييز في سوق العمل، وللوصم الاجتماعي. يلجأ الموَلَّدون في معظم الأحيان إلى انكار أصولهم غير اليمنية لتجنب الوصم والتهميش، وينطبق هذا بصفة خاصة على أولئك الذين تربط أسرهم علاقات نسب في بلدان إفريقية؛ فالموَلَّدون من ذوي الأصول اليمنية-الإفريقية يعانون أكثر من العنصرية على أساس الانتماء العرقي مقارنة بالموَلَّدين المنحدرين من أصول أخرى، مثل أولئك الذين تربط أسرهم علاقات نسب تاريخية مع بلدان في آسيا أو أوروبا.

يتناول هذا التقرير تجارب الموَلَّدين المنحدرين من أصول يمنية-إفريقية والمفاهيم المرتبطة بالوصم والتمييز والعنصرية المُمارس ضدهم على أساس الانتماء العرقي، مع إيلاء اهتمام خاص للشواغل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية في اليمن المعاصر الذي مزقته الحرب. تضمن البحث إجراء دراسة نظرية ومقابلات مع خبراء بارزين إلى جانب 36 مقابلة مع موَلَّد وموَلَّدة في كل من صنعاء وعدن وحضرموت. فضلًا عن ذلك، أُجريت مقابلتان مع موَلَّدين مقيمين خارج اليمن، وعُقدت حلقة نقاش بؤرية في العاصمة الأردنية عمّان مع ستة ذكور يمنيين من أصول صومالية.

تُظهر نتائج الدراسة معاناة غالبية الموَلَّدين من العنصرية والوصم في المدارس وسوق العمل، وعلى المستوى المجتمعي ككُل. إلا أن هناك تباينات كبيرة في هذه الظاهرة من منطقة إلى أخرى، حيث يعاني الموَلَّدون في جنوب اليمن، لا سيما في عدن، بدرجة أقل من الوصم والتمييز مقارنة بالموَلَّدين الموجودين في مناطق أخرى، مثل مدينة صنعاء. مما يثير الاهتمام التصور السائد لدى العديد ممن أُجريت معهم المقابلات بشأن تأثير الحرب حيث يرون أنها لم تؤدِ إلى تفاقم العنصرية والتمييز ضدهم، وأن جميع اليمنيين دون استثناء ذاقوا مرارة الحرب بغض النظر عن انتماءاتهم (العرقية).

تحت طيات هذا التصور العام، شارك العديد من الأشخاص المُقابَلين معاناتهم من التمييز، سواء في الماضي والحاضر، حيث يواجهون غالبًا صعوبة في الحصول على وثائق الهوية القانونية -كالبطاقات الشخصية وجوازات السفر -كون ذلك مشروط بتقديمهم دليل يثبت مسقط رأس آبائهم. وذكر بعضهم أن الموَلَّدين أكثر عرضة لفقدان وظائفهم مقارنة بغيرهم من اليمنيين.

أما من المنظور الجنساني، فقد أشار من جرى مقابلتهم إلى أن الموَلَّدين الذكور يواجهون درجة أكبر من التمييز مقارنة بالموَلَّدات، كونهم أكثر نشاطًا في الحياة العامة، لكن ذلك لم يمنع النساء من مشاركة تجاربهن مع العنصرية والصعوبات التي واجهنها بسبب تدهور الحالة الاقتصادية التي أجبرتهن على العمل مقابل الحصول على أجر. رأى معظم المستطلعة آراؤهم -من كلا الجنسين -أن مغادرة اليمن هي السبيل لتحسين أوضاعهم، ووجدت الدراسة أن الشباب أكثر مرونة في تقبل وضعهم كموَلَّدين مقارنة بالأشخاص الأكبر سنًا.

وعلى ضوء ذلك، تقترح الدراسة التوصيات الرئيسية التالية بغية تحسين أوضاع الموَلَّدين في اليمن:

للمجتمع الدولي والمنظمات المانحة:

ضمان إشراك ممثلي الأقليات في مفاوضات السلام مستقبلًا، بحيث يتضمن أي اتفاق محتمل للسلام أو المصالحة أحكامًا تضمن حقوق تلك الأقليات.
ممارسة الضغط على الحكومة المعترف بها دوليًا وسلطات الأمر الواقع لحماية حقوق الأقليات -بمن فيهم الأشخاص المنحدرون من أصول مختلطة -مثل الحق في التنقل والحصول على وثائق ثبوتية رسمية ووضع حد للتمييز ضدهم.

تخصيص جزء من المنح المالية لدعم المنظمات اليمنية المحلية التي تسعى لتحقيق المساواة الاجتماعية ومكافحة العنصرية، وكذلك لإجراء مزيد من الدراسات عن وضع الأقليات في اليمن، لا سيما في ضوء الواقع المعاصر المتمثل في عدم إدماج فئات مثل الموَلَّدين بشكل عام على المستوى المجتمعي.

لمنظمات المجتمع المدني:

وضع برامج تستهدف الموَلَّدين والمجتمع المحلي بغية إزالة الحواجز الثقافية والنفسية التي تحول دون اندماجهم الكامل في المجتمع، مثل حملات التوعية العامة التي تعالج أوجه التحيز والتحامل ضدهم لدى الرأي العام.
وضع برامج تتوخى تقديم الدعم النفسي لليمنيات واليمنيين المنحدرين من أصول مختلطة للتخفيف من تأثير الوصم والتمييز المُمارس ضدهم، وحث اليمنيين واليمنيات من ذوي الأصول المختلطة على تشكيل روابط تتمتع بالقدرة على تقديم الدعم النفسي والقانوني بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية الأخرى.
تصميم حملات على وسائل التواصل الاجتماعي تحتفي باليمنيات واليمنيين المنحدرين من أصول مختلطة باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من المجتمع اليمني، مع تركيز الضوء على المفاهيم الخاطئة لمبدأ “نقاء العرق”.

للحكومة المعترف بها دوليًا وسلطات الأمر الواقع:

سن قوانين تُجرّم العنصرية بكافة أشكالها، إلى جانب وضع لوائح تضمن الامتثال لتلك القوانين ورصد أي مخالفات على كافة الأصعدة، لا سيما في المسائل المتعلقة بالتوظيف وإصدار بطاقات الهوية وعقود الزواج.
تقديم العون للأقليات فيما يتعلق بالمعاملات القانونية وإصدار الوثائق الثبوتية، لا سيما في ظل حالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد.

تضمين مواد تعليمية تتناول التنوع العرقي وأوجه العنصرية في جميع المراحل الدراسية (الابتدائي والثانوي والجامعي)؛ على أن يشمل ذلك التطرق إلى التاريخ العريق للهجرة من وإلى اليمن وتأثير ذلك على تركيبة المجتمع اليمني والسكان اليمنيين.

المقدمة:

يقدم هذا التقرير النتائج التي خلصت إليها دراسة نوعية أُجريت حول وضع من يوصفون بالموَلَّدين المنحدرين من أصول إفريقية في اليمن. فالموَلَّد (مفرد مذكر)، الموَلَّدة (مفرد مؤنث)، والموَلَّدين (جمع) هي مصطلحات تُستخدم لوصف اليمنيين المنحدرين من أصول مختلطة، وتشير في بعض الأحيان إلى اليمنيين الذين ولدوا ونشأوا خارج اليمن. ورغم عدم توفر إحصاءات دقيقة، إلا أن هجرة اليمنيين إلى إفريقيا وآسيا على مر العصور أنجبت مجموعة كبيرة من اليمنيين المنحدرين من أصول مختلطة. [1]

يرتبط مصطلحا الموَلَّد والموَلَّدين في اليمن بإفريقيا ويستخدمان للإشارة إلى اليمنيين من ذوي الأصول الإفريقية على نحو انتقاصي. لذا يحاول العديد من اليمنيين من ذوي الأصول المختلطة إخفاء أصولهم لتجنب التعرض للوصم والإقصاء، وهذا ينطبق بصفة خاصة على اليمنيين المنحدرين من أصول إفريقية. يختلف الحال بالنسبة للموَلَّدين المنحدرين من أصول آسيوية وأوروبية وأمريكية حيث يُنظر إليهم على أنهم أرقى اجتماعيًا ونادرًا ما يعانون من التمييز ضدهم بسبب لون بشرتهم الفاتحة.

عانى الموَلَّدون لعقود طويلة من الممارسات التمييزية ضدهم وذلك كونهم لا يُعدون “يمنيين خالصين”، وهو ما أثر، من بين أمور أخرى، على حقهم في الحصول على الجنسية والتعليم وفرص العمل، واندماجهم في المجتمع. حتى الآن، يتسم وضع الموَلَّدين الاجتماعي بنوع من التعقيد، مقارنةً بوضع المهمشين[2] وغيرهم من الفئات الأخرى في المجتمع اليمني، حيث إن الموَلَّدين لا يشكلون مجموعة واضحة المعالم.

فالوضع الاجتماعي للموَلَّدين يُعتمد على عوامل تشمل بلد هجرة أجدادهم، ومسقط رأسهم في اليمن، ومركزهم الاجتماعي، ونوع الجنس والعمر، ومن يعتبر نفسه/ نفسها موَلَّدًا/ موَلَّدة، وكيف يُصنف اليمنيون ذوو الأصول المختلطة -وكذلك اليمنيون الذين ولدوا وترعرعوا خارج اليمن، ولكن ليسوا بالضرورة من ذوي أصول مختلطة -من قِبل الآخرين.

لعب الموَلَّدون أدوارًا مهمّة في المجتمع اليمني ككُتاب وفنانين. فمحمد عبدالولي (1940-1973) كان أحد أشهر الكُتاب اليمنيين إلى جانب شغله مناصب دبلوماسية، وكان منحدرًا من أصل يمني-إثيوبي، ولطالما تناولت كتاباته قضايا المهاجرين اليمنيين ومصيرهم، منها روايته الأشهر “يموتون غرباء”، التي تصوّر حياة اليمنيين في أديس أبابا وكيف يتوقون دومًا إلى العودة لأرض الوطن رغم تأسيس حياة لهم في الخارج وزواجهم بنساء محليات (غالبًا يُتخذن كزوجات ثانيات) وتكوينهم عائلات هناك. برز خلال العقود الماضية سياسيون يمنيون منحدرون من أصول مختلطة، إلا أنهم نادرًا ما كانوا يتحدثون عن أصولهم خوفًا من تأثير ذلك على مركزهم الاجتماعي.

من بين الموَلَّدين الآخرين الذين ذاع صيتهم كان عبدالرحمن حسين، المخرج المساعد للفيلم الوثائقي ليس للكرامة جدران[3]؛ وعارضة الأزياء اليمنية انتصار الحمادي، المحتجزة لدى سلطات الحوثيين منذ فبراير/ شباط 2021؛[4] وكذلك الروائي عبدالرزاق قرنح، الحائز على جائزة نوبل في الأدب لعام 2021، والذي ينحدر من أصل حضرمي ومولود في زنجبار.

ورغم هجرة أعداد كبيرة من اليمنيين إلى الخارج على مدى عدة قرون، مكونين جاليات يمنية كبيرة في جنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا والقرن الإفريقي وأوروبا والولايات المتحدة، إلا أن عددًا محدود نسبيًا من الدراسات تناولت هذه الروابط الممتدة منذ أمد طويل إلى ما وراء البحار وتأثيرها على تركيبة السكان اليمنيين. فمعظم الدراسات التي تناولت موضوع هجرة اليمنيين ركزت على أولئك الذين انتقلوا إلى آسيا -لا سيما من حضرموت[5] -أو إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة[6]، ولم يجرِ إيلاء المزيد من الاهتمام الأكاديمي لهجرة اليمنيين مما كان يُعرف سابقًا باليمن الشمالي إلى شرق إفريقيا والقرن الإفريقي سوى مؤخرًا.[7] في بعض الأحيان تلعب هذه الدراسات دورًا مهمًا في ردم الفجوات المعرفية[8] حول هذا الموضوع عبر تسليط الضوء على جوانب مختلفة من حياة الأشخاص الموَلَّدين المقيمين داخل اليمن وخارجه.

ازداد وصم الأفراد على أساس أصولهم الأسرية في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية باليمن، ويُعزى ذلك أساسًا إلى واقع مطالبة الحوثيين بالسلطة على أساس نسبهم إلى أسرة النبي محمد.[9] وبالتالي، أصبحت الأنساب قضية سياسية تواصل تحديد معالم المجتمع اليمني، بحيث بات يختار العديد من الموَلَّدين في الوقت الراهن مغادرة البلاد رغم محاولاتهم الاندماج في المجتمع اليمني قبل الحرب.

على سبيل المثال، غادر اليمنيون المنحدرون من أصل إفريقي إلى جيبوتي[10] وإلى الأردن، [11] لكنهم وجدوا أنفسهم في الغالب ضحايا التهميش والتمييز في هذه البلدان المضيفة، حيث لا ينظر إليهم كيمنيين من قبل إخوتهم المواطنين المقيمين هناك أو من قِبل المجتمعات المضيفة، لكن برغم استمرار التمييز ضد الموَلَّدين، تمكن البعض من استرداد هوياتهم.[12]


- لقراءة الدراسة بالكامل تجدوها في موقع مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية على الرابط التالي:

https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/18319

___________

هذا التقرير هو جزء من سلسلة إصدارات لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية بتمويل من حكومة مملكة السويد، والتي تتناول مجتمعات الأقليات في اليمن.




رأيكم يهــمنا

تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية :
أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال.
أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء.
أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم.
أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.
لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية.