ملفـات وتقـاريـر

05 نوفمبر, 2022 06:03:26 م

عدن (صوت الشعب) متابعات:

بدأ الاعلام الجنوبي مرحلة جديدة منذ سنوات، وتحديدا منذ تحرير العاصمة عدن في يوليو 2015، حيث استطاع ان يمسك بالادوات، وتدفقت في عروقه الكثير من المياة النقية لينتعش من جديد، في واقع شهد فيه الاعلام اليمني حالة من التراجع والخفوت بسبب ازمة الحرب القائمة منذ سنوات ثمان.

وفي المراحل السابقة، خصوصا منذ انطلاق ثورة الحراك الجنوبي في يوليو 2007، كان الاعلام الجنوبي يعاني كثيرا رغم بروز عدد من وسائل الاعلام المختلفة في الجنوب المعبرة عن ثورة الشعب، لكن ذلك لم يشفع للاعلام بان يكون في المستوى المطلوب يومها.

تعرض الاعلام الجنوبي للكثير من التشويش والقمع والاختراق، وساهم عدم توفر الامكانات الكافية في جعل ماضي الاعلام الجنوبي اكثر تواضعا من الان.

معاناة الماضي

عانى الجنوبيون كثيرا في الماضي من انتاج اعلام حقيقي يعبر عن امالهم وتطلعاتهم، ومرت بهم مراحل طويلة لم يتمكنوا فيها من امتلاك وسائل اعلام او صحافة مستقلة، اذ لم تشجع الدولة الجنوبية قبل تحقيق الوحدة التعددية في وسائل الاعلام، حيث كانت تحتكر الاعلام لصالح الدولة فقط، فضلا عن كونها لم تشجع الجنوبين من الدراسة والتخصص في مجالات الاعلام والصحافة، كما كان عليه الحال في شمال اليمن، ومن هذا المنطلق اصبح الاعلام الجنوبي الرسمي يومها حكرا على الصحفيين والاعلاميين القادمين من الشمال، الا من اعداد قليلة من الجنوبيين لم يكن لهم حضورا كبيرا ومؤثرا.

وبعد تحقيق الوحدة بين الشطرين، وجد الاعلاميين والصحفيين الجنوبين على قلتهم انفسهم مهمشين ومستبعدين محاربين، وتقلصت الفرص امامهم بصورة كبيرة، سواء على مستوى الدراسة والتخصص في مجال الاعلام، او العمل في وسائل الاعلام الجنوبية الرسمية، التي سيطر عليها نظام صنعاء سيطرة كاملة، لاسيما بعد احداث حرب صيف 94 المشؤومة، واصبح الاعلام من يومها موجها لخدمة مصالح نظام الهضبة الحاكمة في الجنوب.

ويمكن التاكيد ان المراحل النضالية التي مر بها الجنوب منذ ما بعد حرب الاحتلال اللعينة، لم تكن تحظى بتغطيات اعلامية كبيرة، الي ان تفجرت ثورة الحراك السلمي في يوليو 2007، وجد الجنوبيون انفسهم بحاجة لاعلام جنوبي مستقل وحر، لايصال صوتهم للعالم، ونقل احداث ثورتهم المتسارعة دون تلوين او تشويش، لكن ذلك لم يشفع لهم بامتلاك صحف ووسائل اعلام خاصة ومستقلة، بسبب رفض نظام صنعاء منح التراخيص في هذا المجال، وهو ما دفع الشباب الجنوبي بالتوجه للمنتديات والمدونات على مواقع شبكة الانترنت، في وقت كانت فيه وسائل الاعلام الخارجية ايضا حكرا على الشماليين، ولم يكن هناك مراسلين جنوبيين لوسائل اعلام خارجية كوكالات انباء عالمية، وقنوات، وصحف، الا بالنادر.

لكن هذا لم يمنع الجنوبيين الذين وجدوا انفسهم بحاجة للاعلام اكثر من اي وقت مضى، الامر الذي ادى الي ارسال المزيد من الشباب الجنوبي للدراسة في قسم الاعلام بجامعة عدن والتخصص في مجالات الاعلام المختلفة، لايجاد كادر مؤهل ومحترف قادر على شق طريقه المهنية لخدمة قضيته السياسية العادلة، والتعبير عن ثورته الظافرة التي اخذت في التوسع والانتشار.

وفي هذه المرحلة الثورية السلمية التي مر بها الجنوب، ظهرت قنوات وصحف ومواقع اعلامية جنوبية، لكنها سرعان ما اختفت وتراجعت، اما لقلة الامكانيات او بسبب اختراقات النظام الحاكم، الذي سعى لتدمير كل الاصوات الجنوبية المعبرة والمناهضة، ومنها على وجه الخصوص صحيفة الايام العدنية.

امتلاك الحاضر

بعد تحرير عدن من تحالف الحوثي عفاش في يوليو 2015، بدات مرحلة جديدة في الجنوب، استطاع فيها الجنوبيون من التواجد في الاعلام الخارجي كمراسلين لاهم القنوات الاخبارية، كما استطاعوا امتلاك مواقع اخبارية خاصة وصحف، بالاضافة الي نشاطهم المكثف الذي اتاحته وسائل التواصل الاجتماعي، والذي لعب دورا كبيرا في التعبير عن تطلعات الجنوبيين، والدفاع عن المنجزات السياسية والمكاسب العسكرية التي تحققت بفضل المقاومة الجنوبية البطلة.

ويمكن القول ان الجنوبيين امتلكوا الحاضر بصورة جيدة جدا واصبح صوتهم مسموعا ومؤثرا بصورة اكبر، حيث شرع المجلس الانتقالي الجنوبي الاطار السياسي الجنوبي الاكثر انتشارا وتاثيرا منذ تاسيسه قبل نحو ست سنوات، الي دعم الاعلام بصورة مكثفة، حيث اصبح المجلس يمتلك قناة فضائية مستقلة، واذاعة محلية خاصة، ومواقع على شبكة الانترنت، ومؤخرا اتجه نحو تاسيس هيئة جنوبية خاصة بالاعلام، وانشاء معهد للتدريب والتاهيل الاعلامي، وتقديم الدعم للكثير من الاعلاميين الجنوبيين الموالين للمجلس.

وفي الاثناء تجري الترتيبات الكاملة لانعقاد المؤتمر الاول للصحفيين والاعلاميين الجنوبيين، الذي من المقرر ان يتمخض عنه كيان نقابي مهني، يمثل حاضنا للمئات من الاعلاميين والصحفيين الجنوبين، بالاضافة الي توسيع مساحة الحرية، وتأهيل الكوادر الاعلامية والصحفية، ودعم امتلاك وسائل الاعلام للراغبين في ذلك من المستثمرين والناشطين.

موجبات المستقبل

مثلما هو الحاضر مبني على التنافس، ويبقى فيه الافضل والاقوى، فان المستقبل يحتاج ايضا الي تنافس اكبر، وافضلية قصوى، بامكانها تحقيق الاهداف المرجؤة والمنتظرة.

لذا فانه امام الاعلام الجنوبي مرحلة مهمة فيها من التحديات والصعوبات الكثير، وفيها من الفرص الكثير ايضا، ومن هنا يجب البناء جيدا على ما هو قائم اليوم وما تحقق بفعل النضال الطويل والمرير، ليكون الجميع في مستوى المرحلة التي سيلعب فيها الاعلام دوره الكبير كحامل للعملية السياسية، ورافعا متينا للقضية الوطنية.

ان استشراف المستقبل مسالة صعبة ومعقدة، لكنها ضرورية، ولمن يقوم بذلك عليه امتلاك المعلومات والوقائع الكافية التي حدثت في الماضي والتي تعتمل في الحاضر، مع اهمية توفر حاسة التوقع والخيال، وكل هذه الادوات مجتمعه تستطيع من خلالها قراءة المستقبل واستشراف احداثه.

اتوقع ان يزدهر الاعلام الجنوبي بصورة كبيرة، مادام هناك من يسخر كل الامكانيات الضرورية للنجاح والتنافس والابداع، واكثر ما يحتاجه الاعلام الجنوبي اليوم هو التأهيل والتدريب في الداخل والخارج، والاستفادة من الخبرات والطاقات الابداعية، التي بامكانها ان تعطي خلاصة تجربتها وخبرتها في المجال الاعلامي للجيل الجديد بصورة مبسطة وسهلة ومثمرة.

علينا ان نخلق تنافس بناء وخلاق بهدف التطور والنجاح، وليس بهدف الهدم ووضع العقبات والمطبات وبعثرت الجهود، لان الاعلام مجال ابداعي وحساس، كونه مرتبط بالسياسة والشان العام، فضلا عن كونه اداة مهمة من ادوات التغيير في المجتمع وعلى مستوى الدول والكيانات المختلفة.

ان قضيتنا الوطنية في الجنوب التي عانت من التهميش طويلا بفعل عدم امتلاك الجنوبيين للادوات الفاعلة فيما مضى، هي اليوم في وضع افضل يمكنها بوجود الاعلام الهادف والوطني من البناء على المكاسب التي حققتها، وخلق فرص جديدة امامها لتكون في صدارة المشهد السياسي على الصعيد الداخلي والخارجي، وهذا ما سيحدث وما ينبغي ان يكون.

كلنا امل في ان تنجح الجهود الرامية الي عقد مؤتمر الصحفيين والاعلاميين الجنوبيين، وهي تمضي باضطراد وحماس كبيرين، لجعل مستقبل الاعلام في الجنوب اكثر اشراقا وقوة وتأثير وتعدد وحرية.

- باسم فضل الشعبي

صحفي وكاتب ومحلل سياسي
رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والاعلام




رأيكم يهــمنا

تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية :
أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال.
أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء.
أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم.
أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.
لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية.