ملفـات وتقـاريـر

21 أكتوبر, 2022 10:20:02 م

عدن (صوت الشعب) خاص:

- تحليل سياسي صادر عن مركز مسارات للاستراتيجيا والاعلام..

قال قيادي كبير في المجلس الانتقالي الجنوبي، ردا على سؤال مسارات حول مصلحة الجنوب من المشاركة في حوار الحل النهائي في ظل تبني الشرعية لمخرجات الحوار الوطني: ان"هناك رؤية سياسية مشتركة يتم صياغتها لفريق الحوار سيكون لقضية شعب الجنوب حضورا قويا فيها".

بهذا الكلام يمكن القول ان المجلس الانتقالي حسم امره في المشاركة في حوار الحل النهائي، الذي سيبحث مستقبل اليمن القادم، ولكن مع ضرورة تبني قضية الجنوب باعتبارها القضية الوطنية المركزية في اليمن التي لن يستقيم الحوار الا بها، ولن تكون هناك حلول جذرية لمشكلة الدولة في اليمن الا بالتعاطي معها، وفق شروط جديدة تؤدي لاعادة الجنوب مرة اخرى الي معادلة السياسة والثروة في البلاد.

ويحتاج الجنوبيون اليوم الي حالة من التطميين بان الحوار سيفضي الي حلول حقيقية للقضية الجنوبية، والا ما الفائدة منه اذا ما اعاد تكريس الحلول الناقصة التي تتعسف الجنوب وقضيته وتتجاوز تضحيات الجنوبيين المستمرة، التي يراد لها القبول بشكل جديد من الدولة اليمنية، بدلا من الذهاب صوب تحرير واستقلال الجنوب واستعادة الدولة الجنوبية، التي ناضلوا من اجلها طويلا.

ويبدو ان المجلس الانتقالي الذي تبنى مشروع استقلال الجنوب منذ تأسيسه قبل ست سنوات، قد قبل بالمشاركة في حوار الحل النهائي ضمن فريق الشرعية نزولا عند مخرجات حوار الرياض، التي نصت على ضرورة تشكيل فريق حوار مشترك، بالاضافة الي مسايرته للتوجهات الخارجية الاقليمية والدولية التي يبدو انها تريد بحث الحلول في اطار اليمن الواحد في هذه المرحلة.

ومن حديث القيادي الانتقالي الذي اشرنا اليه سابقا يمكن الاستنتاج الي ان الشرعية سوف تتبنى رؤية مغايرة لمخرجات الحوار الوطني الشامل المنعقد في صنعاء قبل نحو ثماني سنوات تقريبا، وذلك نزولا عند رغبتها بمشاركة الانتقالي في الحوار، الذي يشترط اعداد رؤية جديدة للحوار تضع حلولا منطقية لقضية الجنوب، بعيدا عن كل الرؤى السابقة التي لم يسنح للحراك الجنوبي المشاركة فيها بصورة مقبولة وواسعة.

مواقف مختلفة في الجنوب

أثار تشكيل المجلس الرئاسي لفريق الحوار، ردود فعل كبيرة في الجنوب بين مؤيد ومعارض، في صورة تدل على غياب التنسيق الجنوبي بين جميع المكونات السياسية والاجتماعية التي تتبنى قضية الجنوب، او التي لها رؤى مختلفة ومغايرة في الجنوب كما هو الحال في حضرموت شرق البلاد.

المؤيدون ومعظمهم من انصار المجلس الانتقالي والاحزاب السياسية يعتبرون ان المشاركة في حوار الحل النهائي فرصة ثمينة لوضع حدا للحرب الدائرة منذ ثماني سنوات، والتي انعكست بصورة سلبية على حياة الناس جنوبا وشمالا في صورة ازمات اقتصادية، ومشاكل اجتماعية، تهدد مستقبل البلد وامنه واستقراره، بالاضافة الي كونهم يرون في المشاركة خطوة متقدمة لايجاد حل لازمة الدولة في اليمن، التي تسببت بانتاج كافة المشكلات والحروب التي عانى منها البلد لسنوات طويلة، شرط ان ينتج الحوار نتائج وحلول منطقية ومقبولة لمعالجة القضية الجنوبية في شكلها السياسي، تضع حدا لمشكلات المركزية والاستحوذ والاستبداد، الذي قاد اليمن الي كل المآلات الكارثية التي يعانيها اليوم.

بينما يرى الرافضون للحوار بانه لم يمثل الجنوب تمثيلا حقيقيا ويعطي الفرصة لجميع المكونات من المشاركة فيه، وبالتالي فهو حوار ناقص لا يلبي تطلعات الجنوبيين، حيث يرى المجلس الاعلى للحراك الثوري في بيان اصدره بالمناسبة ان حوار الحل النهائي مع الحوثين لا يمثل الجنوب، وانه ينبغي ان يكون هناك حوار اخر بين الجنوب والشمال يبحث قضية استقلال الجنوب، وليس قضية اليمن فحسب، التي سيجري بحثها في الحوار المذكور.

وانتقد المجلس الاعلى للحراك الثوري مشاركة الانتقالي في الحوار ضمن فريق الشرعية، مشيرا الي هذا الحوار لايمثل الجنوب، وكان الأحرى بالانتقالي التقارب مع المكونات السياسية والاجتماعية الجنوبية، وتشكيل فريق حوار جنوبي مشترك، بدلا من الذهاب منفردا للحوار، في الوقت الذي يرى اخرون ان مشاركة الانتقالي منطقية وطبيعية انطلاقا من وجوده كشريك في السلطة الشرعية الي جانب الاحزاب السياسية اليمنية وفقا لاتفاق الرياض.

ومن حضرموت وجه مؤتمر حضرموت الجامع رسالة الي المجلس الرئاسي اليمني منتقدا الكيفية التي شكل بها فريق الحوار، الذي قال انه استثنى حضرموت من المشاركة فيه، مخاطبا المجلس الرئاسي بان الحوار لن يمثلنا في حضرموت في حال لم يكن لحضرموت تمثيل فيه، انطلاقا من ثقلها الاقتصادي والسياسي.

ومن الطبيعي ان تلقى خطوة المجلس الرئاسي بتشكيل فريق الحوار معارضة ونقدا هنا وهناك، لاسيما وان الخطوة كما يبدو كانت مستعجلة، ولم تاخذ بالتمثيل المعقول، ولم تراعي الاوزان السياسية والاجتماعية للقوى الفاعلة على المسرح لاسيما في شرق البلاد.

الحوثيون مشكلة قائمة

هل سيقبل الحوثيون بالحوار مع السلطة الشرعية اليمنية؟ وهل سيقبلون بتقاسم السلطة والنفوذ؟ نعتقد ان الحوثيون يبدون اكثر تضخما وغرورا، وقد يرون ان الحوار مع السلطة الشرعية اليمنية ممثلا في المجلس الرئاسي امر سابق لأوانه، لاسيما وانهم يجرون حوارا حارا حاليا مع المملكة العربية السعودية راعية التحالف العربي،كما انهم الي الان لم يصدروا اية موقف يدل على استعدادهم للحوار الثنائي مع السلطة الشرعية، ولم يعلقون على تشكيل المجلس الرئاسي لفريق الحوار الخاص به.

هل سيقبل الحوثيون بالدولة المدنية الاتحادية وبالديمقراطية؟ لسنا متفائلين بان الحوثين سيلتزمون بقضايا الحوار المحددة، والتي قد تطرح الدولة المدنية الاتحادية كشكل جديد للدولة في اليمن، اذا ما عرفنا انهم سبق وان انقلبوا على مخرجات الحوار الوطني، التي نصت على بناء دولة مدنية اتحادية من ستة اقاليم، غير ذلك فان خلفيتهم الدينية المزعومة، قد تدفعهم لرفض الدولة المدنية، والمطالبة بدولة اسلامية على غرار ما هو قائم في ايران، وهذا قد يعقد المشكلة كثيرا، لاسيما وان الطرف الاخر و الشعب اليمني يطلعون الي دولة مدنية على قدم العدالة والمساواة، قد تلقى ايضا قبولا اقليميا وخارجيا كبيرا.

وفيما يتعلق بالديمقراطية، فان جماعة الحوثي تقوم على اساس غير ديمقراطي، ولا تتبنى الديمقراطية في ادبياتها السياسية، بل تعتبرها منتجا غربيا غير مقبول تطبيقه في اليمن، فضلا عن كونها ترى الحكم والولاية في ال البيت، وهذا سيعقد الامور اكثر فيما يتعلق باختيار الرؤساء والحكومات اليمنية القادمة، والتي يفترض ان تكون متاحة امام جميع اليمنيين بصرف النظر عن توجهاتهم وميولهم.

ومن هنا فان المسالة قد تحتاج الي تقديم تنازلات في هذا المسار من قبل الحوثين لانجاح الحوار، فضلا عن ضرورة تحول الجماعة الي حزب سياسي يشارك في العملية السياسية اليمنية كغيره من الاحزاب والمكونات اليمنية، بالاضافة الي تسليم السلاح للدولة الجديدة، التي يفترض انها تحتكر العنف، وهذه في تصورنا امور قد لايستطيع الحوثين التنازل عنها بسهولة، وربما تقف عائقا امام توصل الحوار الي نتائج ملموسة وناجعة.

وفي الجانب الاخر قد ترفض جماعة الحوثي مطالب الجنوبيين بالدولة الاتحادية من اقليمين، وهو الحل الذي يمكن ان يكون محل قبول في الجنوب في المرحلة المقبلة، الامر الذي سيعيد الوضع الي نقطة البداية، وقد يعطي الجنوبيين دافعا للتمسك بالاستقلال الناجز لبلدهم.

سيظل الحوثيون مشكلة قائمة وعويصة امام السلام والحوار، فهم يعتقدون ان امتلاكهم للقوة قد يؤهلهم لحكم الشمال منفردين، وربما قد يمنحهم ذلك الفرصة للعودة للجنوب مرة اخرى وحكم اليمن، وتحقيق ما يقولونه في خطاباتهم من انهم يريدون ان يبلغوا مكه والمدينة، تحقيقا لمشروع ايران التوسعي في المنطقة، لهذا لا يمكن الوثوق بهم اطلاقا، حتى وان ابدوا مواقف مغايرة في المرحلة المقبلة، والمطلوب هو تقليم اظافرهم بشدة عبر الحل العسكري، او احتواءاهم عبر الدولة، وتجريدهم من كل عوامل القوة، ومحاصرة نفوذهم والحد منه.

الخارج ..ماذا يريد؟

لا توجد للخارج رؤية واضحة وموحدة تجاه مستقبل اليمن، سواء اكان الاقليم او المجتمع الدولي، فما يقولونه في الاعلام ينقضونه بتصرفاتهم وتحركاتهم على الارض احيانا، لكن يمكن الاستنباط من التصريحات والمواقف المتناثرة هنا وهناك، ان الخارج يتحرك وفقا لمصالحه بالدرجة الاولى، لاسيما الاشقاء في الاقليم الذين بدت لهم اطماع في السيطرة والاستحواذ على المناطق المهمة في البلاد، لاسيما في الجنوب، ناهيك عن محاولات سيطرتهم على منابع الثروات والتحكم بها لمصلحه ابقاء البلد رهن الفقر والحاجة وطلب المساعدة الدائمة، التي لن تمكنه من التفرغ لبناء الدولة التي يتطلع اليها الشعب.

اما المجتمع الدولي لاسيما بريطانيا وامريكا فانهم يلتزمون في تصريحاتهم ومواقفهم بالعمل لمصلحة يمن موحد، ولكن بشكل جديد اما فيدرالي او اتحادي او كنفدرالي، فهم يشجعون على تبني هذه المصطلحات كما يحدث وحدث في اكثر من دولة، لاسيما بعد فشل الدول المركزية في تحقيق الشراكة والعدالة والمساواة في الفرص.

ويبدو انهم يريدون ايضا التعامل مع راس وقيادة واحدة في اليمن، بدلا من راسين وقيادتين او اكثر في هذه المرحلة، بالذات في هذه المرحلة التي تشهد فيها المنطقة تفاعلات وتحديات كبيرة، قد لا يسمح معها التوجه بدعم دولة مستقلة في الجنوب، ولكن هذا لا يعني انهم سيستبعدون هذا الخيار في حال وجدوا ان مصلحتهم تقتضي ذلك في المستقبل.

اليمن امام تحدي كبير يتمثل في تحقيق السلام اولا، ووقف الحرب، ونجاح الحوار الذي يفترض ان يفضي لدولة جديدة تلبي تطلعات الجميع، ومدى نجاح هذه الدولة الجديدة لتكون معبرا حقيقيا عن امال اليمنيين وتطلعاتهم، وهذا هو التحدي الاكبر الذي سيسعى كثيرون لتجاوزه والنجاح فيه، لان الفشل يعني الذهاب الي خيارات اخرى بديلة وجاهزة.

دولة ام معركة اخرى

ان تاريخ اليمن مع الحوارات لا يحمل فالا حسنا، فبعد كل حوار وتوافق تنتج حرب جديدة، وهذا ما يحفل به تاريخ البلد منذ عقود طويلة، واخرها كان مؤتمر الحوار الوطني اهم حدث في تاريخ البلد، والذي ما لبث ان انتج حربا كبيرة وواسعة وصل عمرها الي ثمان سنوات دمرت الكثير من حاضر اليمن، ومن بنيته التحتية، واحالت حياة الناس الي كابوس مزعج بفعل الازمات والتشرد والنزوح والفقر المتنامي الذي ينهش في جسد الشعب بكل شراهة، ووضعت المطبات والعوائق والثارات امام المستقبل، واذا لم يتم تجاوز ذلك بمصالحة وطنية وعدالة انتقالية، فان اثرها سيكون مدمرا بصورة او باخرى.

هل نتفاءل ونقول بان ما حدث في اليمن من صراعات سيكون محركا فعليا للتوبة والتوجه صوب بناء الدولة الحقيقية ام سيكون عقبة متوارثة لانتاج حربا ومعركة جديدة؟

الحوثيون يلف مواقفهم الكثير من الغموض، ويلقي بالمزيد من الشكوك تجاههم، في انهم سيقبلون بمخرجات الحوار، وبالتالي سيجنبون اليمن الحروب والويلات، وفيما اذا سيكون الحوار القادم من اجل المستقبل الجديد لا من اجل تفجير معركة جديدة، تزيد من اوجاع والام اليمن وشعبه الذي لا يقوى على تحمل المزيد.




رأيكم يهــمنا

تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية :
أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال.
أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء.
أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم.
أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.
لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية.