24 ديسمبر, 2025 06:05:57 م
عدن (صوت الشعب) كتبه - هديل جميل محمود:
تُقدَّم الوحدة اليمنية في الخطاب السياسي التقليدي على أنها قدرٌ تاريخي أو حقيقة أبدية لا تقبل النقاش، غير أن المقاربة السياسية-القانونية الحديثة تنظر إلى الوحدة، مثلها مثل أي صيغة اندماج سياسي، باعتبارها عقدًا اجتماعيًا بين طرفين، خاضعًا لشروط الرضا المتبادل والاستمرارية الطوعية وتحقيق المصالح المشتركة.
من هذا المنظور، فإن وحدة عام 1990 لم تكن فعل ضمّ قسري، بل اتفاقًا سياسيًا بين دولتين مستقلتين، لكل منهما نظامه ومؤسساته وإرادته السياسية. وبما أن أصل الوحدة تعاقدي، فإن استمرارها مشروط باحترام جوهر هذا العقد، لا بمجرد التمسك بشكله أو شعاراته.
العقد الاجتماعي وإمكانية التعديل أو الفسخ..
في الفلسفة السياسية والقانون الدستوري، يُقرّ بأن أي عقد اجتماعي يفقد مشروعيته إذا اختلّ توازن الالتزامات أو أُفرغ من مضمونه. وعندما يشعر أحد الأطراف بأن العقد لم يعد يحقق له الحماية أو الشراكة أو العدالة، فإن مراجعته أو تعديله أو حتى التراجع عنه يصبح خيارًا سياسيًا مشروعًا، وليس فعلًا عدائيًا أو خروجًا عن القانون.
وعليه، فإن المطالبة الجنوبية بإعادة النظر في صيغة الوحدة، أو استعادة الدولة، لا تمثل تهديدًا للشمال بقدر ما هي تعبير عن أزمة عقدية عميقة نشأت نتيجة مسار طويل من الإقصاء، وتفكيك مؤسسات الجنوب، وفرض واقع سياسي بالقوة منذ حرب 1994.
هل يتطلب ذلك موافقة الطرف الآخر؟
من حيث المبدأ السياسي، فإن الحق في تقرير المصير هو حق أصيل للشعوب، ولا يُشترط لممارسته الحصول على موافقة الطرف الذي يُنظر إليه بوصفه الطرف الأقوى أو المهيمن في العلاقة. فكما لا يُطلب من شعبٍ واقع تحت هيمنة سياسية أن يستأذن للاستقلال، فإن مراجعة العقد الوحدوي من طرف واحد تعكس اختلالًا بنيويًا في الشراكة، لا نزوة سياسية طارئة.
إن الإصرار على اشتراط موافقة الطرف الآخر فقط، دون الاعتراف بجذور الأزمة، يُحوّل الوحدة من عقد رضائي إلى قيد قسري، وهو ما يتناقض مع جوهر الدولة الحديثة.
نحو رد فعل عقلاني من النخب الشمالية..
في هذا السياق، يصبح من الضروري التأكيد على أن الرد العدواني أو التخويني من قبل النخب السياسية في شمال اليمن تجاه الجنوبيين لا يخدم الوحدة ولا يحمي الدولة، بل يرسّخ الانقسام ويعمّق الشعور بالاغتراب السياسي.
المطلوب ليس الدفاع الأعمى عن شكل الوحدة، بل فتح نقاش عقلاني ومسؤول حول أسباب فشلها، والاعتراف بحق الجنوبيين في طرح خياراتهم السياسية دون تهديد أو وصاية. فالدول لا تُبنى بالقوة الخطابية ولا بالقمع السياسي، وإنما بإعادة التوافق على أسس جديدة، سواء داخل إطار وحدوي مُعاد تعريفه، أو عبر مسارات سياسية مختلفة.
خاتمة..
إن التعامل مع الوحدة اليمنية بوصفها عقدًا اجتماعيًا قابلًا للمراجعة لا يعني الدعوة إلى الفوضى أو الصدام، بل يمثل مدخلًا واقعيًا لحل أزمة سياسية مزمنة. أما الإصرار على إنكار هذا الحق، وشيطنة الطرف الجنوبي، فلن يؤدي إلا إلى إنتاج صراعات أعمق، ويغلق الباب أمام أي تسوية سياسية عادلة ومستدامة.
كتبها/هديل جميل محمود
رئيس مركز القبس للدراسات والبحوث الاستراتيجية
العاصمة عدن
الأربعاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٥