30 مايو, 2025 09:03:37 م
(صوت الشعب) كتب| صايل بن رباع: *
في ظهوره الأخير مع قناة "روسيا اليوم"، بدا رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي كما هو دوماً رجل دولة، لا مقاتل. حديثه هادئ، جمله مترابطة، لغته متزنة. لم يحمل الرجل في صوته نبرة الحماسة الثورية، بل وعياً مركباً بتعقيدات المشهد. بدا واضحاً أن العليمي لا يحارب بالبنادق، بل بالتوافق. لا يُتقن لغة المدافع، لكنه يُجيد ترويض التناقضات.
ولعل هذا بالضبط هو ما يجعل العليمي غير مؤهل – من وجهة نظر عسكرية صرفة – لقيادة المعركة مع جماعة الحوثي. فالمعركة هناك لم تعد تحتمل التوازنات، بل باتت بحاجة إلى قيادة حاسمة، شرسة، تعرف كيف تكسب المعارك لا الطاولات. فالحوثي نفسه، لم يعد طرفاً سياسياً، بل ميليشيا تقاتل بعقيدة طائفية، وبقدرات صاروخية متنامية، وطيران مسيّر يهدد أمن الإقليم برمته.
رئيس في زمن خاطئ؟
في أي زمن آخر، قد يكون العليمي رجل المرحلة: إصلاحي، إداري، قادر على تأسيس نظام حوكمة، وفتح جبهة داخلية ضد الفساد، وبناء المؤسسات المدنية. لكنه وُضع اليوم على رأس بلد تحكمه البنادق، وينازعه النفوذ، ويكاد ينهار تحت وطأة التشظي والانهيار الاقتصادي.
لكن هل انتهى دور العليمي؟ ليس بالضرورة.
ربما آن أوان أن يلعب دور العقل، لا اليد. أن يفوض – بجرأة – مهمة الحرب لقادة ميدان، بينما يتفرغ هو لترميم الداخل، ووضع خطة ما بعد الحسم.
في هذا السياق، يمكن قراءة ملامح تشكيل مجلس قيادة عسكري غير معلن، أقطابه: عيدروس الزبيدي، طارق صالح، وربما صغير بن عزيز. مجلس حرب بحكم الأمر الواقع، يقود المعركة ضد الحوثي، بعيداً عن بيروقراطية "التوافق"، وبرضى غير مُعلن من الأشقاء في التحالف العربي اللذين لا يسعون لان تطالهم النيران إذا إشتعلت في اليمن، وإن كانوا لا يمانعون من أن يشعرون بدفئها رغم صيفهم الساخن، والذين يدركون أن استمرار حالة اللاسلم واللاحرب تستنزف الجميع، وتمنح إيران ذراعاً ضاربة على خاصرتهم الجنوبية.
حضرموت: ضوء في نفق الحرب
في المقابل، تبرز حضرموت اليوم بوصفها النافذة الأكثر عقلانية في مشهد غارق في الدماء. شرق اليمن، الغني بالنفط، البعيد عن الجبهات، لم يعد مجرد إقاليم هامشية، تعتبر الجائزة التي يحصل عليها المنتصر من حروب الغرب والشمال، بل قد يتحول إلى مختبر دولة داخل دولة تنهار.
فكما صنعت كردستان عراقاً جديداً في شمال بلد مشتعل، وكما شكلت "بونتلاند" و"أرض الصومال" مناطق حكم آمن في ظل صومال متهالك، وكما فرضت قوات سوريا الديمقراطية مناطق حكم ذاتي بدعم دولي، كذلك يمكن لحضرموت – إن أحسنت التفاوض – أن تتحول إلى نقطة توازن يمنية.
الشرط الأساسي؟ تفاهمات حضرمية – شرقية – وطنية – إقليمية – دولية.
مشروع حكم ذاتي لا يشبه الانفصال
المشروع الحضرمي، القائم على وثيقة سيادية يُعدها فريق وطني مستقل، ليس دعوة للانفصال، بل نداء لإعادة تعريف العلاقة مع الدولة المركزية، على قاعدة الندية، والعدالة، والشراكة في السلطة والثروة.
إن خلق نموذج حضرمي مستقر، إدارياً واقتصادياً، يمكن أن يكون رئة يتنفس منها اليمني المحاصر، ومختبراً لمصالحة وطنية قادمة، ومركز ثقل سياسي قادر على التأثير في المعادلة اليمنية، يُعرف مفهوم فلسفة بناء الدولة من الأطراف بنكهة خاصة، لكن ذلك يتطلب من الحضارم تجاوز الحسابات الضيقة، وبناء اصطفاف وطني راشد يواكب اللحظة.
منطق اللحظة:
الحرب مع الحوثي حتمية في ضل غياب جنوحه للسلام، والشرعية عاجزة عن حسمها وحدها.
التوافق الداخلي هش، ومعرض للانفجار في أي لحظة.
المجتمع الدولي فقد صبره على شعارات بلا مؤسسات.
وحضرموت تقف أمام لحظة تاريخية: أن تكون الضوء وسط كل هذا العتم.
رشاد العليمي قد لا يكون "جنرال الحرب"، لكنه قد يكون المهندس المدني لليمن إذا ما منح الفرصة. أما حضرموت، فعليها أن تثبت للعالم أنها ليست مجرد أرض فرص، بل أرض نظام، قادرة على صناعة نموذج، وسط وطن يئن، وإقليم يعيد تشكيل نفسه.
وللصراع بقية......
*صايل بن رباع
"عضو الفريق الوطني لإعداد وثائق الحكم الذاتي لحضرموت"
30 مايو 2025م