ملفـات وتقـاريـر

29 ديسمبر, 2025 10:58:59 م

(صوت الشعب) ا. د. عبد الناصر محمد علي:

إن المتتبع للتاريخ الحديث في عمر الوحدة وهو ليس ببعيد سيجد أسماءً ومكونات سياسية واحداث ارتبطت بسفك الدماء والدمار، ورغم أن الموت غيّب أصحاب تلك الأسماء عن المشهد السياسي وغيبت بعض الاحداث، إلا أن إرثهم الثقيل وفتاويهم المسمومة لا تزال تلاحق ذاكرة الجميع.

الزنداني والديلمي وعلي عبد الله صالح: ثلاثة أركان لتحالفٍ مشؤوم ارتبط بأكثر اللحظات تدميرا في تاريخ البلاد، خصوصاً الجنوب الذي كان أكثر وحدويا وتنازل عن الكثير من أجل الوحدة، لكن الفكر القبلي الاستحواذي لم يكن يفكر بوحدة حقيقية للأرض والإنسان، بل كان يفكر في كيفية التخلص من الشريك الآخر فبداء مبكرا بالتخيط والعمل للقضاء على شريك الوحدة فجند الدجالين وظهرت فتاوى الدم وشرعنه التدمير للجنوب مستغلين الخلفية العلمانية للاشتراكي آنذاك.

لقد رحل الزنداني، الذي لم يكتفِ بالسياسة بل أقحم الدين في صراع السلطة متناسيا شعب الجنوب، فظهر الزنداني مصدراً فتاوى "الجهاد" ضد الجنوبيين، حيث ادعى حينها أنه يذود عن الوحدة، بينما كان في الحقيقة يزرع أولى بذور دمارها.

وتبعه الديلمي الذي لم يتورع عن تنفيذ تلك الفتاوى وتبرير القسوة المفرطة، معتقداً وواهماً أن حماية الوحدة تمر عبر سحق الشريك الآخر، وهو بذلك كان يتقرب للسلطة من خلال معاداة الجنوبيين ليس الا (وهو النهج الذي اتبعه صالح حينما كان يكافئ كل من يعادي ويدمر الجنوبيين سواء من ابناء الشمال او من ابناء الجنوب) غير مدركا بان هؤلاء (الدجالين) ذات فكر تأمري وسينقلبون عليه يوما ما وهذا اثبتته الايام والسنوات التالية وطبعاً علي عبدالله صالح كان المخرج الذي أدار هذا المشهد محولاً تلك الفتاوى إلى أداة لتثبيت عرشه المركزي، فلم تكن الوحدة في نظره قيمة سامية بل كانت غنيمة حرب استخدم الدين والقوة معاً للاستحواذ عليها وتهميش أصحاب الأرض واغنية وطنية يتغنى بها لحماية عرشه غير ابها بشعب الجنوب.

اليوم، رحل هؤلاء جميعاً ولم يتركوا خلفهم سوى "الفتوى" "والدمار" كوصمة عار أبدية ولكن، أمام هذا الثالوث، وقف الجنوب صامداً صموداً لم تكسره المجنزرات ولم تثنيه الفتاوى المضللة، صمد الجنوب لأنه يمثل "الحق" والحق مهما طال ليل الظلم عليه لا يضيع ولا يموت، لقد أثبت شعب الجنوب أن إرادة الشعوب أقوى من فتاوى التكفير ومن آلات القمع.

فمن كان يدعي التدين والدفاع عن الدين والملة وانه من كان يحميه الله من نيران العدو ترك منزله وعاصمته وهرب متناسياً الدفاع عن الدين والوطن متناسيا بانه مفتي الديار ومن كان يُوصف بأنه علماني وكافر هو اليوم من يدافع عن الدين والوطن ويذود عن الكرامة.

فالأيام تكشف الحقائق وتظهر حقيقة (الدجالين) وما اكثرهم الذين كانوا يدعون التدين وهم أبعد ما يكون عن الدين هربوا وتركوا منازلهم ووطنهم بينما الذين صمدوا في الميدان أثبتوا أن الدين ليس حكراً على أحد وأن الإيمان وصفحات التاريخ هي من تكتب الحقيقة.

اليوم نجد المشهد يتكرر فنجد رئيس مجلس القيادة د. رشاد العليمي (الذين كان مشردا) فأعاده الجنوبيون لراس السلطة يطلب من التحالف العربي قصف الجنوبيين في حضرموت وهذا ليس بغريب فقد شاهدته يطلب من الامريكان قصف صنعاء ليجسد "الوطنية" بابها صورها متناسيا بانه "رئيسا" ويجسد وحدة الموت ويعيد النهج القديم القائم على تدمير الشريك الآخر.

كنت اتمتى من رئيس مجلس القيادة الرئاسي ان يتعامل مع الموقف كرئيس للجميع لا كطرف اثبتت الأيام بان نهج القوة يزيد الجنوبيون قوة وصلابة وان نهج القوة في الشركات الوحدوية نهج فاشل لأنه يفرق ولا يوحد.

إن الوحدة التي كانت يوماً حلماً يراود الخيال تحولت بفعل هؤلاء إلى كابوسٍ ممتد، والواقع يقول إن "الوحدة" الحقيقية لم تولد أصلاً، فما حدث لم يكن اتحاداً بل كان إلحاقاً قائماً على القوة والاستبداد والظلم والتهميش بعد حرب ١٩٩٤.

إن الوحدة التي تبنى على فوهات البنادق وفتاوى التكفير هي مشروع فاشل بالضرورة، والوحدة التي لا تحترم كرامة الإنسان وحقوقه في أرضه هي مجرد احتلال مغلف بشعارات كاذبة.

كما إن أي مشروع سياسي لا يقوم على الحق والعدل والحوار الندي وليس الحوار المركب والمسيس (الحوار الوطني الذي مثل استمراراً للكذب وحرمان الجنوبيين من حقهم حينما تم تمثيل الجنوب بشخصيات تم اختيارها لتشرعن لهم ما يريدون ضد إرادة شعب الجنوب)، محكوم عليه بالزوال مهما طال الزمن.

الوحدة تعني التوحد والتوحد لا يأتي بالقوة فان دخلت انتهت الوحدة لان الوحدة والقوة شيئان متناقضان كالنار والماء لا يمكن ان يختلطان معا.




رأيكم يهــمنا

تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية :
أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال.
أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء.
أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم.
أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.
لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية.