كتابات وآراء


23 يونيو, 2018 07:49:00 م

كُتب بواسطة : خير الله خير الله - ارشيف الكاتب




خلافا لرهانات إيرانوأدواتها وأبواقها، ستتحرّر الحديدة من الحوثيين (أنصارالله). ليست سيطرة القوات التي تعمل تحت راية الشرعية على مطار المدينةسوى خطوة أخرى على طريق استعادة الحديدة والميناء الاستراتيجي على البحر الأحمر.هذا الميناء الذي يستميت الحوثيون في الدفاع عنه متجاهلين أنهم أصبحوا جسما غريبا،أينما حلّوا، حتى داخل صنعاء نفسها.


 


يعود الفضل في وجودهمفي صنعاء إلى ما يسمّى “قبائل الطوق” التي استثمروا فيها طويلا. هذه قبائل مستعدةلتغيير مواقفها عندما تجد ذلك مناسبا لها، خصوصا أنّها من النوع الذي يُمكناستئجاره وليس شراءه. متى ينتهي عقد الإيجار بين الحوثيين وهذه القبائل؟ كل شيءيعتمد على الأموال التي في حوزة “أنصارالله” أو الجهات التي تدعمهم هذه الأيّام.


 


وهذا لا ينطبق علىالجانب الإيراني وحده، بل على قوى عربية لديها حسابات تريد تصفيتها مع المملكةالعربية السعودية ودولة الإمارات العربية تحديدا. تدعم هذه القوى هذه القبائل كي تبقى على ولائها للحوثيين، حتّى لو كانذلك ولاء بالإيجار ليس إلّا!


 


مكّن هذا الاستثمارالناجح في قبائل الطوق الحوثيين من السيطرة على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول– سبتمبر 2014 بعدما رفض الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي سماع نصيحة عليعبدالله صالح التصدي لهم في محافظة عمران، أي قبل وصولهم إلى مشارف العاصمة.


 


دفع علي عبدالله صالحنفسه في مرحلة لاحقة، في الرابع من كانون الأوّلديسمبر2017 ثمن دخول الحوثيين صنعاء. واجههم بشجاعة نادرة مع مجموعةقليلة من حراسه بعدما اتخذوا قرارا باغتياله إثر استنفاد الغرض من التحالف الشكليوالموقت الذي أقاموه معه.


 


ليس هناك، في الوقتالراهن، من هو في عجلة من أمره في دخول مدينة الحديدة والميناء ما دام كلّ شيءيسير حسب الخطة المرسومة. تقضي الخطة المرسومة بتوجيه ضربات متتالية إلى المشروعالإيراني في اليمن، وصولا إلى محاصرته كليا تمهيدا لتوجيه الضربة القاضية في صنعاء.


 


تكمن أهمّية الحديدةفي أنّ الميناء يؤمن لـ“أنصارالله” موارد مالية كبيرة، عن طريق الخوات والضرائبالتي يفرضونها على كلّ ما يمرّ في الميناء ويأتي عبره. كذلك أن ميناء الحديدة الذييستخدمه الحوثيون لتهديد الملاحة في البحر الأحمر، هو المكان الذي تأتي منهالأسلحة التي مصدرها إيران، بما في ذلك الصواريخ الباليستية التي تطلق في اتجاهالأراضي السعودية.


 


الأهمّ من ذلك كلّه،أن الحديدة هو آخر منفذ بحري أساسي للحوثيين. ستبقى لدى هؤلاء من دون شكّ بعضالمنافذ الصغيرة التي تستطيع استقبال قوارب تنقل أسلحة خفيفة مهرّبة لا قيمة تذكرلها.


 ساعةالحسم تقترب، لكنها لن تكون غدا أو بعده. يستطيع المهاجمون الانتظار، خصوصا أنالطفل في اليمن يعرف أنّ الحديدة ليست بيئة حاضنة للحوثيين


كذلك، ستبقى لديهمطرق برّية لتمرير أسلحة خفيفة وذخائر، لكنّ لا شيء يعوّض خسارتهم الحديدة. فوق ذلككله، تندرج استعادة الحديدة ضمن رؤية ذات طابع استراتيجي لمنظومة الأمن الإقليميالذي يشمل ضفتي القرن الأفريقي، أي إثيوبيا وإريتريا والصومال أيضا.


 


 ليس سرّا أن من يعتقدأن الحديدة لن يستعاد، عليه أن يتذكر أنّ ميناء عدن كان في يد الحوثيين أيضا، كذلكميناء المخا الذي يتحكّم بمضيق باب المندب. استعيد الميناءان، كما استعيد ميناءالمكلا. هناك قوى جدّية تقاتل على الأرض، هي لواء العمالقة ومجموعات بقيادة هيثمقاسم طاهر، وزير الدفاع السابق. انضمت إلى هذه القوى مجموعات من “حراس الجمهورية”بقيادة العميد طارق محمّد عبدالله صالح ابن شقيق علي عبدالله صالح.


 


 يقاتل طارق محمدعبدالله صالح، على الرغم من وجود أخيه محمّد محمّد عبدالله صالح ونجله عفاشأسيريْن لدى الحوثيين. كذلك، لا يزال هؤلاء يحتجزون في صنعاء اثنين من أبناء عليعبدالله صالح هما صلاح ومدين وعددا من أفراد العائلة.


 


في النهاية، كانالقرار القاضي بمنع سقوط اليمن في يد إيران قرارا جديا اتخذه التحالف العربي الذيشنّ “عاصفة الحزم” في آذار – مارس 2015. حققت عاصفة الحزم” القسم الأكبر من أهدافها وستحقّق القسم الباقي قريبا،خصوصا إذا أمكن تفادي أخطاء ارتكبت بين حين وآخر.


 


 لا تقتصر هذه الأخطاءعلى قصف أهداف مدنية عن طريق الخطأ فحسب، بل على عدم فعالية ما يسمّى “الشرعية”أيضا. فالمستغرب أن التقدم العسكري الذي تحقّق على طول الساحل اليمني، والذيسيستكمل بتحرير الحديدة، لم يرافقه تقدّم برّي يذكر في اتجاه صنعاء انطلاقا من نهمومأرب.


 


إضافة إلى ذلك، أنالوضع في تعز لا يزال يراوح مكانه منذ فترة طويلة. هل المشكلة في “الشرعية” التيعلى رأسها عبدربه منصور هادي فقط… أم هناك مشكلة في مكان آخر مرتبطة بحزب الإصلاح،أي بالإخوان المسلمين والحسابات الخاصة بهم وكيفية تحريك القوات التابعة لهؤلاء؟


 


في كلّ الأحوال لايعني التريث في حسم معركة الحديدة أي ضعف لدى القوات التي تتولى أمر هذه المعركة.كلّ ما هناك أنّه توجد رغبة في التمهل والتريث تفاديا لسقوط خسائر كبيرة لدىالمهاجمين وفي صفوف السكان المدنيين.


 


 ساعة الحسم تقترب،لكنها لن تكون غدا أو بعده. يستطيع المهاجمون الانتظار، خصوصا أن الطفل في اليمنيعرف أنّ الحديدة ليست بيئة حاضنة للحوثيين. لكنّ أهل الحديدة المعروفون بأنهممسالمون لن يمارسوا أي مقاومة مسلحة في انتظار مزيد من التقدم للقوات التي تعملتحت راية “الشرعية”.


 


إذا كانت “عاصفةالحزم” أظهرت شيئا، فهي أظهرت أن هناك قوى عربية مستعدة لخوض معركة طويلة فيمواجهة الخطر الإيراني الذي يجسّده مشروع توسّعي من بين ضحاياه العراق وسورياولبنان.


 


سعى هذا المشروع إلىتدمير البحرين. إضافة إلى ذلك، أراد هذا المشروع التمدد في مصر أيّام كان محمدمرسي رئيسا، كما لم يعد خافيا أن المغرب وضع له حدّا نهائيا عندما وصل به الأمربالقيمين على المشروع الإيراني إلى الدخول على خطّ المسّ بالسيادة على الصحراءالمغربية.


 


ليست معركة الحديدةسوى خطوة أخرى مهمّة في طريق طويل اسمه التصدّي لمشروع يقوم على مبدأ تفتيت العالمالعربي عن طريق إثارة الغرائز المذهبية. كان السؤال دائما هلمن سيتصدى لهذا المشروع أم لا؟ الجواب نعم كبيرة يؤكدها ما يدور حاليا في الحديدةالتي سيكون استعادة ميناءها ومطارها والمدينة نفسها نقطة تحوّل ليس على الصعيداليمني فحسب، بل على الصعيد الإقليمي أيضا.


 


ما حصل في الحديدةليس مجرد معركة عسكرية خطط لها بطريقة جيدة فحسب، بل هناك أيضا ما هو أبعد من ذلكبكثير. اليمن وساحله ليسا معزولين عن التهديدات التي تتعرّض لها شبه الجزيرةالعربية ومنطقة الخليج كلّها، بما في ذلك منطقة القرن الأفريقي.


 


 وجد أخيرا بين العربمن يمتلك تلك النظرة الإستراتيجية التي تضع معركة الحديدة في إطار أوسع من اليمنومعركة اليمن في إطارها الصحيح.


 


خير الله خير الله

إعلامي لبناني