كتابات وآراء


16 سبتمبر, 2021 11:49:00 م

كُتب بواسطة : د. وليد ناصر الماس - ارشيف الكاتب



تعثر تنفيذ اتفاق الرياض بشقيه السياسي والأمني، رافقه انهيار رهيب للأوضاع الاقتصادية لغياب الحكومة التي تقف على رأس أولوياتها مهام تطبيع الأوضاع العامة وتقديم الخدمات، فاستشرت الفوضى وأعني هنا الفوضى الاقتصادية، إذ تُرك الحبل على الغارب للتجار المحليين وأرباب الشركات دون أدنى رقابة من السلطات المسيطرة، فمارس رجال المال من مصارفة وغيرهم عبثا غير مسبوق بالعملة المحلية، حيث باتت المضاربة بالعملة الوطنية تجارة رائجة تستهوي ضعفاء النفوس المحميين بالسلطة الباسطة، على حساب مصلحة السكان ومتطلبات حياتهم الضرورية، ضاربين عرض الحائط بالقوانين والنظم المسطورة، غير عابئين بغضب وعنفوان الشعب الذي أحالته ممارساتهم المتراكمة رمادا تذروه الرياح.

في تقديرنا ثلاثة أطراف رئيسية تقف مسؤولة بشكل مباشر عما آلت إليه الأوضاع المعيشية والإنسانية في هذه المحافظات، أولها: الحكومة الشرعية التي آثرت مغادرة العاصمة عدن في وقت مبكر من بزوغ نجمها، ولم تتحمل مسؤولياتها القومية والوطنية تجاه شعبها، وتعمل باستمرار على تبديد الأموال الطائلة نفقات على متطلبات إقامتها الباذخة خارج بلدها، وأنشطتها الوهمية.

وثاني هذه الأطراف يأتي الجانب السعودي، الذي يعتبر مسؤولا رئيسيا عن حكومة الشرعية التي مثل المجلس الانتقالي فصيلا أساسيا فيها، قبل انشقاقه عنها وصدامه معها، الأمر الذي مهد بدوره لظهور اتفاق الرياض، الذي رعته المملكة نفسها على أراضيها لإعادة المياه إلى مجاريها، ولم شعث الفرقاء على كلمة سواء، ورغم تلك الجهود لم يعرف الاتفاق الطريق إلى النور، إذ وضعت جملة من الصعوبات والمعوقات على مسار تطبيقه أعاقت عملية الالتزام به واستكمال تنفيذه، واكتفي الطرفان بالاتهامات المتبادلة حيال فشله. وهنا تبرز الحاجة ملحة لأن نرى دورا حيويا للمملكة على صعيد التنفيذ، وتحديد الطرف المعرقل وممارسة المزيد من العقوبات بحقه.
يظهر الدور السعودي متراخيا وبصورة يلفها الغموض، توحي إلى ان هنالك أهداف يبطنها السعوديون، قد لا تتحقق إلا عبر المزيد من أشكال الفوضى وأعمال العنف والاقتتال، لصياغة خريطة الصراع من جديد وفقا لمتطلبات المرحلة.

وثالث هذه الأطراف: المجلس الانتقالي الذي يُعد مسؤولا مباشرا عن مغادرة حكومة المناصفة، ومشاركا في تعطيل تنفيذ اتفاق الرياض الموقع مع الشريك الحكومي.
ومع هيمنته على العاصمة عدن التي تحتضن أهم المؤسسات الاقتصادية والسيادية ومنها البنك المركزي، تزداد واجباته تجاه السكان، التي لم يشاء إن يتحمل شيئا منها، أو يوظف المقدرات المتاحة في يده في خدمة الصالح العام ولو في أدنى مستوياتها ، كإصلاح مؤسسة الكهرباء وتوفير الأمن، والإشراف على عمل القطاعات الاقتصادية والخدمية، وإيقاف عمليات التلاعب بالعملة المحلية، وتثبيتها على الأقل عند مستوى مقبول في الوقت الراهن، للتخفيف من معاناة الناس، وإظهار أداءه بمظهر جاذب أمام انصاره ومريديه.

وصول معظم سكان البلاد إلى حافة المجاعة يمثل كارثة إنسانية غير مسبوقة، لن تجدي معها وسائل الترغيب والتغني بالشعارات، ولن تثني هذا الشعب عن الثأر من ظالميه أساليب الترهيب والقمع وكيل الاتهامات.
من يتلاعبون اليوم بلقمة المواطن المغلوب، ويكسبون الأموال الطائلة بطرق ملتوية وغير مشروعة، أضرت كثيرا باقتصاده وأنهكت حياته، لن يكونوا غدا في منأى من غضبه ومأمن من بطشه. ثورة الجياع ستقتلع كل ما يقف بوجهها، وعلى مختلف القوى السياسية، وقوى النفوذ والمصالح إدراك الحقيقة القائمة، والكف عن الانتهازية والاستغلال التي تضر بحياة المواطن وتحد من حصوله على لقمة العيش الضررية.