كتابات وآراء


03 مايو, 2022 09:01:00 م

كُتب بواسطة : صلاح السقلدي - ارشيف الكاتب


من / صلاح السقلدي

(بسم الله الرحمن الرحيم)
السيد/ عيدروس قاسم الزبيدي،رئيس هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي.. السادة / قادة المجلس الإنتقالي الحنوبي
...

حياكم الله وسدد بالخير خُـطاكم.. وكل عام وأنتم بخير..

نعلم كُـثرة انشغالكم وضيق وقتكم الذي لا يسعفعكم للإطلاع على كل الملاحظات والمآخذ بشأن عمل المجلس ومستقبل القضية الجنوبية والأزمة اليمنية، ولكن ثمة ملاحظات مهمة نعتقد ضرورة لفت انتباهكم إليها،مع أن بعضها قد تكونون على عِلمٍ بها،ولكن نافلة بالتأكيد نوردها.. بما انكم بالمجلس الانتقالي قد حسمتم أمر مشاركتكم بالسلطة مع الطرف الآخر ولم يعد ثمة جدوى لنقاش هكذا موضوع مثير للجدل قد قُـضي الأمر فيهِ ،وبرغم تحفظاتنا على هكذا مغامرة إلا أنه لا يسعنا إلا أن نتمنى لكم التوفيق لما فيه نُصـرة القضية الجنوبية وطي صفحة الحرب ومآسيها، فإنه حريا بنا جميعا أن ننصرف عن النقاش بما قد تم البت فيه الى مناقشة تحديات الحاضر والمستقبل بكل شفافية ووضوح لا مجال فيه المداهنة والتملق:

- أولاً: القضية الجنوبية ووعود مناقشتها مستقبلا:

كما تعرفون فأن القضية الجنوبية في مشاورات الرياض الأخيرة قد تم إغفالها وتأجيل النظر فيها إلى مراحل لاحقة- كما قيل في البيان الختامي لتلك المشاورات، حيث ورد فيها النص التالي حرفيا: ( إدراج قضية شعب الجنوب في أجندة مفاوضات وقف الحرب لوضع إطار تفاوضي خاص لها في عملية السلام الشاملة برعاية الأمم المتحدة)... فنحن اليوم عمليا في مرحلة مفاوضات وقف الحرب مع الحوثيين ولم نر أية خطوات بشأن إدراج القضية الجنوبية بأجندة هذه المفاوضات لا من قبل الانتقالي ولا من التحالف.

فمفاوضات وقف الحرب جارية اليوم لا يمكن إنكارها، فهي تتم على قدمٍ وساق في العاصمة العُـمانية مسقط وربما في بغداد،في ظل غياب وتغييب للطرف الجنوبي،وهذا التغيب سيعني بالضرورة عدم إدراج قضية الجنوب بهذه المرحلة الفاصلة ( مرحلة مفاوضات وقف الحرب وهي الأهم التي ستحدد طبيعة التسوية السياسية النهائية)، فجميع الأطراف المحلية والإقليمية وبالذات الشريكة مع الجنوب لن تأبه بشيء اسمه قضية الجنوب في حال ان صمتت بندقيتها وتم إبرام اتفاق لوقف الحرب مع الحوثيين،فأهمية القضية الجنوبية بالنسبة لهؤلاء الشركاء الإقليميين هي من اهمية البندقية الجنوبية ومن بقاء الحرب، وفي حال الاستغناء عنها ووقفت الحرب كلها فلن يكترث بكم أحد، ولن يقوى الجنوبيون على الضغط على التحالف بعد أن يكون الخليج قد قضى من قضيتهم وسلاحهم وطره.

وعطفا على ذلك نأمل ألا يغيب على بالكم هكذا موضوع غاية بالأهمية والخطورة وفي زمن محدود للغاية تتسارع فيه التطورات تباعا.

فالأطراف الاقليمية وحتى اليمنية ينسجون مع الحوثيين خلف الحـجَـب اتفاقا لوقف الحرب ويرسمون ملاحم التسوية السياسية النهائية وربما تفاصيلها،ونخشى أن كل هذا يجري دون معرفة الانتقالي، والجنوب عامة صاحب الفضل الأعظم بالإنجاز العسكري على الأرض.فأية اتفاقيات تتم بهذا الوقت و تتجاوز الطرف الجنوبي والانتقالي بالذات سيعني فقدان الجنوب للسند الخليجي.

ففي الفقرة الواردة بالبيان الختامي لمشاورات الرياض آنفة الذِكر تتحدث صراحة أن نقاش للقضية الجنوبية وحل الأزمة اليمنية مشاورات الحل السياسي النهائي ستكون بإشراف أممي لا خليجي، اي ان الحضور الخليجي سيكون غائبا،بعد ان تكون السعودية قد أخرجت نفسها من ورطة هذه الحرب، وهذا يعني ان الطرف الجنوبي سيكون مكشوف الظهر أمام قوى حزبية وسياسية وقبلية محلية تتربص به الدواهي،فضلا عن أن الأمم المتحدة لا يمكن أن تقبل بأي حل للقضية الجنوبية خارج إطار قراراتها ومواثيقها الدولية التي تؤكد مرارا على وحدة اليمن.

بمعنى اوضح نقول انه في حال لم يحرز الانتقالي وسائر القوى الجنوبية الأخرى أي مكسب سياسي جنوبي حقيقي يحاكي مشروعهم التحرري في هذا الوقت و في ظل الوجود والتأثير السعودي والإماراتي فلن يحققونه بعد ذلك مطلقا. فلا يمكن أن نفهم من فكرة دول الخليج في بيان مشاورات الرياض بإحالة ملف القضية الجنوبية الى ما بعد وقف الحرب وإرسالها كما هي الى بين يدي الحوثيين و الأمم المتحدة إلا أنه تملص خليجي صريح حيال هذه القضية التي استخدمها الخليج دون أن يخدمها خدمة سياسية حقيقية تحمل ميزة الديمومة وصفة المشروعية الدولية.

وقبل هذا كله هل حسم الانتقالي اليوم موضوع القضية الجنوبية مع شركائه بمجلس القيادة الرئاسي اليمني ومع الأحزاب حتى نقول ان المشكلة متبقة فقط بنقطة اقناع الحوثيين بها غدا ؟؟. فهؤلاء الشركاء اكثر تشددا من الحوثيين تجاه هذه القضية، او لنقل هم جميعا بمستوى واحد من التشدد، وبالتالي فالأولى أن نحسم النقاش أولا مع الشريك بمجلس القيادة الرئاسي اليمني قبل ان نحيلها للحوار مع الخصم الذي نتوعده بالرمي خلف شمس في صعدة، وسنحاوره تحت مظلة الأمم المتحدة. فأين يقف الانتقالي من كل ما يجري اليوم من حوله ومن خلفه، وماذا أعدَدَ له ؟.

- ثانياً.. استنساخ كيانات، ونجاح الأحزاب بجعل الانتقالي مجرد مكون سياسي:

فحتى لو حدثت معجزة على طاولة المشاورات النهائية وتم مناقشة القضية الجنوبية نقاشا جادا فهل يضمن الانتقالي ان يكون هو وباقي القوى الجنوبية المؤمنة حقا بحق الجنوب باستعادة دولته حاضرا بصوته دون إشراك قوى مستنسخة هجينة من رحم الأحزاب كما حدث باستحقاقات و حوارات سابقة تنتحل اسم القضية لحساب أحزاب وقوى سياسية أخرى؟.

نطرح هذا التخوف في غمرة إغراق الساحة الجنوبية بكيانات هلامية، ووسط مساعٍ حثيثة لقوى حزبية وسياسية واجتماعية لعقد مؤتمرات باسم الجنوبيين الغرض منها إحداث حالة من التشويش لماهية القضية الجنوبية امام اعين العالم فوق طاولة التفاوض المرتقبة، خصوصا بعد ان أفلحت أحزاب ما يسمى بالشرعية من جر الانتقالي الجنوبي الى فخ الإقرار بأنه مجرد كيان سياسي شأنه شأن اي حزب وكيان بالساحة له من المناصب والوزارات مثلما لأي حزب يمني، بل وأقل منه حجما، وليس مظلة سياسية شاملة وممثلا للقضية الجنوبية كما يؤكد بخطاباته وبوثيقة تأسيسه،بل أن نسبة تمثيله بمجلس القيادة اليمني أقل من حصة حزب.

-ثالثاً المصالحة الجنوبية:

ثمة مقولة عميقة تقول:( إذا عرفت كيف خسرت بالأمس فستعرف كيف تنتصر بالغد).

فانكسار الجنوب خلال السنين الخوالي وتحديدا بحرب 94م كان نتاج طبيعي لدخوله في وحدة مع الشمال عام ٩٠م وهو مشتت القوى منهك الحيل جراء تبعات صراعات ما قبل عام وحدة 90م حين مضى الحزب الاشتراكي باتخاذ قرارات مصيرية كقرار الوحدة بشكل انفرادي وقبل إجراء مصالحة جنوبية حقيقة تدمل جراحات الماضي وتجبر كسره ،وكانت النتيحة مأساوية لا نزال جميعنا ندفع ضريبتها المؤلمة. وعليه يكون من الحكمة ألا نبذر ذات الخطأ لئلا نحصد ذات النتيجة.

فنحن اليوم بالجنوب دون استثناء بمسيس الحاجة أكثر من أي وقتٕ مضى لترميم البيت الجنوبي وفتح أبواب الحوارات الجنوبية الجنوبية على مصارعها لتلمس الطريق صوب مستقبل آمن مستقر، جنوب خالٕ من نكبات الصراعات وويلات الساسة وحماقات الاستحواذ بالقرارات والسلطة.

الأخ القائد عيدروس الزبيدي الأخوة قادة الانتقالي كما تعرفون فقد أفضت مشاورات الرياض- بإشراف ورغبة خليجية- الى إحداث زلزال سياسي كبير ضرب مبنى ومعنى السلطة المسماة بالشرعية ومؤسساتها الرئاسية تحديدا التي كان يقبع على رأس هرمها رئيس جنوبي الانتماء (منصور هادي)، وازاحته من موقعه ستتبعها بالتأكيد عملية تطهير للكادر الجنوبي هناك من المتوقع أن تقوم به تلك الأحزاب والقوى التي رأت في فترة حكم هادي فترة استحواذ جنوبي على كثير من المناصب والمواقع منذ عام ٢٠١٢م ،وبالذات بالسلك الدبلوماسي والعسكري والأمني.

وسيكون هؤلاء الجنوبيون عُـرضة للإقصاء والأذى،ويكون معهم الانتقالي الجنوبي الذي هو بالمناسبة يترأس هيئة التشاور والمصالحة اليمنية- ومعه كل الأوفياء امام مسئولية وطنية واخلاقية بتشريع الأذرع امامهم قبل اخراجهم الى قارعة التهميش كما حدث بأكثر من مرحلة منذ عام ٩٤م، فالمهمة أمام الانتقالي هدم جدران الفرقة، وإنشاء جسور التواصل معهم وتشريع الأذرع بوجوههم ليس لأن ذلك يمثل فقط ضرورة وطنية وغاية انسانية، ولا خشية من حالة الاستقطاب الحزبي والسياسي المتوقعة بل لأن الكل بالجنوب يجب ان يكون شريكا ببناء الوطن بحاضره ومستقبله،جنوب يبنيه الكل ويكون للكل، فقد حدثتنا تجارب التاريخ وهي صادقة فيما تحدث بأن ليس بوسع أية قوة سياسية او عسكرية او منطقة جغرافية لوحدها تحمل مسئولية إدارة الجنوب وقيادته مهما أتيح لها من إمكانيات سياسية وعسكرية ومادية ومهما حظيت بكل أسباب الدعم الإقليمي وظفرت بالمشروعية الدولية.

وحين نتحدث عن الجنوبيين الذين من المنتظر إقصائهم فنحن لا نقصد حصريا المدنيين،بل الأمنيين والعسكريين،فألوية الحراسة الرئاسية التي كانت تضم أفرادا وضباطا جميعهم تقريبا جنوبيين سيجدون انفسهم في مهب الضياع ووسط دائرة الاستقطاب،يكون حريا بالانتقالي ونحن معه بتلمس احوالهم بخطاب تصالحي راقٍ وترتيب أوضاعهم بحسب المُـتاح، شأنهم شأن اي ضابط وجندي بأية وحدة عسكرية جنوبية بالساحة.

-رابعاً عدن والبنك المركزي والخدمات:

فطالما وقد تطرقنا لموضوع المصالحة الجنوبية يكون حريا بنا أن نتذكر ايضا ان لعدن.. ومن هي عدن بالنسبة لنا جميعا؟؟.. ولأبنائها هموما وحسرات بالنفوس ناتجة عن حالة الإقصاء والتجاوز السياسي طويل الأمد. وعليه تتوخى عدن من الانتقالي ومن كل الخيرين وقد لاحت بالأفق ألتماعة بُـشرى بمستقبل افضل ان يكونوا بمواقعهم الطبيعية بإدارة محافظتهم بانفسهم دون وصاية او استحواذ من الغير إسوة بباقي المحافظات، و نعني هنا تحديدا احقيتهم بشغل وادارة المؤسسات المحلية، كونها تحملت العبء الاكبر من العناء والهيمنة، وتعصف بها وبخدماتها وإرثها الثقافي والحضاري كثير من العواصف وتتناهب بحرها وبرها الأنواء والأدواء، الى درجة ان اضحت هذه المدينة التي يفترض انها عاصمة الدولة الجنوبية المنشودة دون خدمات ولا بنك مركزي كباقي المحافظات بعد ان اجهز البنك المركزي اليمني على اصوله وكادره وامواله، وحتى حين حاول الانتقالي توريد موارد المحافظة لوعاء مالي مصرفي واحد عبر قرار الادارة الذاتية الذي اصدره لم يجد لها بنكا، ولم يجد معه بـدٌّ من أن يفتح حسابات بنكية للمؤسسات الايرادية بعدن بالبنك الاهلي مثلها مثل اي مواطن .

وبشأن موضوع الخدمات فطالما وقد انخرطتم بالمجلس الانتقالي بشراكة سياسية مع تلك الجهات التي ظلت تحجبها عن المدينة وتتخذ منها ورقة ابتزاز ومساومة سياسية وبعد أن تراجع الحديث قليلا عن الحل السياسي للقضية الجنوبية فإن موضوع توفير الخدمات يجب ان يكون بالمقدمة كحاجة إنسانية وأخلاقية، ولعلها تشفع لكم سياسيا عند عامة الناس الساخطة من قرار شراكتكم السياسية الصادمة التي أطاحت بثنائية:( الشمال والجنوب)، مع من ساموهم عسفا وقهرا بلقمتهم وخدماتهم وكرامتهم وأمنهم.

- خامسا.. العلاقة مع الشمال:

لا نرى أية غضاضة من فتح حوار جنوبي مع كل قوى الشمال بمن فيها الحوثيين طالما والكل وأولهم التحالف ينتهج هذا النهج سرا وعلانية، فمصلحة الجنوب ليست أقل قيمة من مصالح هؤلاء، ولا يمكن القبول بأن يظل الجنوب مجرد تابع، يُعادي مَـن يأمره التحالف ويسالم من يسالمه، ويحدد له مع ومن يحارب ومتى يصالح. فحيث تكون مصلحة الجنوب فثمة شرع السياسة. وقد قالها أحد قادة تلك الأحزاب من داخل صعدة ذات يوم بشكل أكثر فجاجة:(حيث تكون مصلحتنا فثمة شرع الله.)، فضلاً عن أن المصلحة التي سيجنيها الجنوب من شبك علاقات مع كل قوى الشمال ستكون معززة لأمنه واستقراره ومع محيطه اليمني الذي لا يقوى عن التحلل منه، كما أن الشمال بشعبه هم اخوة لنا وأهلنا وعمقنا العميق برغم ما حصل، وفي التعايش معهم مصلحة للجميع،فان كان الخليج هو عمقنا الاستراتقي كما نقول فأن الشمال اكثر اهمية واستراتيحية للجنوب،ولماذا نرفض بالجنوب ان تحدد مستقبل الجنوب قوى شمالية فيما تحن نتدخل بشأن الشمال ونحدد من يحكمه ومن يجب ان يسقط؟أليس من المنطق العادل ان تكون المعاملة بالمثل؟. ثم لماذا تظل الطرقات مغلقة مع الشمال بالضالع وكرش وتظل معها الحركة التجارثة مشلولة فيما الخصوم الشماليون يفتحون طرقاتهم بين الجانبين ويطبعون اوضاعهم بسلاسة تحت عنوان الهدنة..

فلم تكن مشكلة الجنوب ذات يوم مع عامة وبسطاء الشمال بقدر ما كانت حصرا مع قوى حزبية وسياسية وعسكرية دينية احتلالية أتت نيران فوضويتها على المشروع الوحدوي وأنتجت كل هذا الكم من الدمار والتشظي.