ملفـات وتقـاريـر

17 أبريل, 2023 02:52:53 ص
 
(صوت الشعب)كتب - ماجد عبدالله الناصري:

من يرى التغيرات الحاصلة بالمنطقة سيدرك أن السعودية بدأت تتدارك أخطاؤها وتتخلى عن سياساتها التقليدية وشرعت بالتعامل مع دول المنطقة من منطلق الأخ الكبير الذي يجب عليه الحفاظ على أمن وسلامة من حوله كي يكون أكثر قوة وتماسك.

التغيرات المفاجئة بالمنطقة تدل على الوعي السياسي الذي وصلت إليه السعودية، كون تجربة الحروب والنزاعات لم تكن مجدية بقدر ما كانت محل ابتزاز لدول أخرى لاعبة في المنطقة، وكان التصالح مع إيران وحل الأزمة اليمنية واحتضان سوريا هو السبيل الأمثل لقطع دابر الغطرسة والابتزاز الذي تتعرض له، فالسعودية قوة إقتصادية باتت تؤثر على اقتصادات دول عظمى منها أمريكا، وهي أساسا ليست بحاجة لمثل هذه الصراعات من حولها لأجل خدمة قضايا النظام العالمي الذي بات يتخبط بزرع حروبا ومعارك على مقربة من منافسيه ليشغلهم عما هو فيه، كالحرب الروسية الأوكرانية وابتزاز الصين في تايوان وغيره.

لقد أدركت السعودية أنها كانت جزء من هذه الخطة المرسومة، وأبت أن تكون تابعا كليا لواشنطن، وبدأت تدريجيا بالتمرد والاستقلال بقراراتها وسلكت طرقا أكثر براجماتية ونفعية شبيهة إلى حد ما بسياسات تركيا، الرياض كانت جريئة عند قبولها للوساطة الصينية التي بينت الفرق بين من يزرع الحروب للتكسب من خلالها وبين من يسعى من أجل السلام، وكانت تلك بمثابة ورقة رابحة للتنين الصيني وردة فعل قوية على واشنطن التي تحاول جر الصين لحربها في تايون.

من الغباء أن يعتقد البعض أن السعودية خضعت لمطالب إيران، المنطق يقول أن الصين هي من أخضعت إيران للسعودية كي تستميلها إلى جانبها، التنين عرف مربط الفرس لأن السعودية حليف قوي للاقتصاد الأمريكي، والحرب لمن لا يعلم اقتصادية بحتة، حيث صارت السعودية تبيع صادراتها من النفط باليوان الصيني، كما أن إيران أيضا بحاجة للسعودية فاقتصادها بات يتدهور يوما بعد يوم بفعل العقوبات والدعم الذي يغذي ميليشاتها بالمنطقة، حيث أن الشارع الإيراني أصبح يبحث عن مبرر لاقتلاع النظام الراديكالي المتطرف الذي جلب لهم الفقر وقوض حرياتهم.

التغير السعودي هو جزء من التغير العالمي الماثل بصعود الصين مع تعثر مبدئي للسياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، تخلي الأخيرة عن معظم حلفائها انموذجا افغانستان كان بداية لهذا التعثر الذي زرع في نفسية الحلفاء الآخرين حالة من اليأس وعدم الثقة بحليف يترك مناصريه لقمة سهلة لمن كان يحاربهم، إضافة للسياسة الخاطئة لأمريكا، فإيران تتنامى بالمنطقة العربية بسبب سياسات أمريكا التي باتت مكروهة لدى الغالبية، وبسبب واسرائيل التي اتخذتها طهران كشماعة لتواجدها في المنطقة زاعمة أنها تحارب الصهيونية.

فكرة التطبيع مع اسرائيل كانت الورقة الرابحة التي تقدمها واشنطن لطهران، فهي بذلك تقدم أدلة واقعية للشعوب العربية أن إيران هي الرائدة للمسلمين والمنقذ ممن يعتبروه عدوا -اسرائيل- بينما المملكة العربية السعودية التي تحتظن أقدس الأماكن للمسلمين لا شيء ومجرد أداة طيعة لما يعتبروه العرب والمسلمين عدوا، وكل هذه التصرفات ليست من أجل إيران أو أن هناك تحالفا خفيا بين طهران وواشنطن، بل أن واشنطن تعتقد أنه من صالحها بقاء المنطقة مشتعلة بالحروب طالما وهي تخدم مصالحها وتخضع المصدر العالمي للنفط -السعودية- لها وحسب، لكن الرياض قلبت الطاولة وصارت تتصرف وفقا لمصالحها، فهي مستعدة للتصالح حتى مع أعداء أمريكا بحرص شديد دون أن يؤثر ذلك على علاقتها مع واشنطن، لأنه لا يمكن أن نقول أن أمريكا انتهت، أمريكا ستبقى قوية إلم تكن كحاكم عالمي فستكون قطب موازي عالمي قوي، ولا يمكن أن تستغني السعودية عنها، سيكون ذلك من الغباء.

ختاما أرى تحالفا عربيا سينقل المنطقة من حالة الحرب والنزاع إلى السلام والإستقرار، إذا نجحت السعودية بذلك فستكون القائد الأمثل للمنطقة وسيلتف حولها الأشقاء وتتهافت إليها الأقطاب المتصارعة على تزعم النظام العالمي، نحن أمام مرحلة حاسمة قد تنتهي بوجود قطبين متوازيين وهذا يخدم الشعوب أكثر مما يضرها.




رأيكم يهــمنا

تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية :
أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال.
أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء.
أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم.
أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.
لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية.