ملفـات وتقـاريـر

12 سبتمبر, 2025 09:12:24 م

عدن (صوت الشعب) خاص:

منذ توقيع اتفاق الرياض في 5 نوفمبر 2019م، حرص المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس عيدروس قاسم الزُبيدي على الالتزام بالشراكة السياسية مع القوى الشمالية المنضوية تحت إطار الشرعية، التزاماً بما تعهّد به أمام الأشقاء في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. ولم يكن هذا الالتزام مجرّد خيار سياسي، بل موقفاً دبلوماسياً وقانونياً يستند إلى:

• مبدأ حسن النية في تنفيذ الاتفاقيات (مادة 26 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969).
• الالتزامات التعاقدية الناشئة عن اتفاق الرياض بوصفه اتفاقاً معترفاً به إقليمياً ودولياً.
• متطلبات الشرعية الدولية في إدارة النزاعات وضمان السلم والأمن الإقليميين.

غير أنّ التطبيق العملي أظهر أنّ هذه الشراكة قد تحولت إلى عبء على شعب الجنوب، إذ لم يسعَ شركاء الشمال إلى تنفيذ التزاماتهم الجوهرية في الاتفاق، وفي مقدمتها:

أولاً: من الجانب المالي والاقتصادي..

ينص الملحق الاقتصادي لاتفاق الرياض (البند الثاني) على:

“توجيه جميع موارد الدولة إلى البنك المركزي في عدن، وتوريد الإيرادات من كافة المحافظات بما فيها مأرب وحضرموت والمهرة، وتخصيصها وفقاً للموازنة العامة.”

لكن الواقع خالف هذا النص، حيث تم الاستحواذ على إيرادات مأرب وإدارتها خارج إطار البنك المركزي بعدن، مما أدى إلى حرمان موظفي الجنوب من مرتباتهم لأكثر من أربعة أشهر، في مخالفة واضحة لالتزامات الاتفاق ومبادئ العدالة المالية.

ثانياً: من الجانب الأمني والعسكري..

ينص الملحق العسكري والأمني (البند الأول والثالث) على:

“عودة القوات العسكرية إلى جبهات القتال وعدم استخدامها لتحقيق مكاسب سياسية أو التواجد في العاصمة عدن أو المحافظات الجنوبية.”

لكن شركاء الشمال لم يلتزموا بتحرير مناطقهم من الحوثيين، بل احتفظوا بقواتهم خارج الجبهات، واستُخدمت هذه القوات لتعطيل استقرار الجنوب وفرض سيطرة سياسية عليه.

ثالثاً: القراءة القانونية

إن استمرار هذا الوضع يمثّل إخلالاً جوهرياً بالعقد السياسي (اتفاق الرياض)، ويُعدّ صورة من صور التمييز المناطقي المحظور بموجب:
• الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948).
• العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)، ولا سيما المادة (1) التي تكفل حق الشعوب في تقرير مصيرها وإدارة مواردها.
• قاعدة العقد شريعة المتعاقدين التي تجعل من الالتزام بالاتفاق واجباً لا يجوز التنصل منه إلا بتوافق الطرفين.

رابعاً: القراءة الدبلوماسية..

لقد مارس الرئيس الزُبيدي صبراً سياسياً استثنائياً، مراعاةً لمقتضيات وحدة الصف مع التحالف العربي وحرصاً على استقرار الأمن الإقليمي والدولي. غير أنّ الصبر السياسي ليس بلا حدود؛ فإذا تحول إلى غطاء لتكريس واقع غير عادل ومنافي لبنود الاتفاق والمواثيق الدولية، فإن الاستمرار فيه يعدّ تفريطاً بالحقوق السيادية لشعب الجنوب.

خامساً: محددات إعادة تقييم الشراكة..

من منظور قانوني ودبلوماسي، فإن أي مراجعة أو إعادة تقييم للشراكة يجب أن تضع في الاعتبار:
1. تمكين الجنوب من إدارة شؤونه الداخلية وفقاً لمبادئ الحكم الرشيد.
2. إعادة توزيع الموارد والإيرادات بشكل منصف يحقق العدالة المالية، التزاماً بما ورد في اتفاق الرياض.
3. ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وفي مقدمتها صرف المرتبات بصورة منتظمة.
4. حماية النسيج الوطني الجنوبي من محاولات العبث عبر الكيانات المصطنعة أو الولاءات الموجهة.

الخاتمة..

إنّ موقف الرئيس عيدروس الزُبيدي يجسّد معادلة دقيقة بين الوفاء بالتزامات التحالف العربي من جهة، وصون الحقوق السيادية لشعب الجنوب من جهة أخرى. وهذه المعادلة لم تعد تحتمل المزيد من المراوغة أو التأجيل، ما يجعل خيار إعادة تقييم الشراكة القائمة ليس مجرد رغبة سياسية، بل ضرورة قانونية ودبلوماسية يفرضها اتفاق الرياض ذاته، ومتطلبات العدالة والشرعية الدولية.



✦ إعداد وتقديم| منظمة السلام - عدن للدراسات والتنمية
المستشار القانوني/ أرسلان السقاف
رئيس المنظمة




رأيكم يهــمنا

تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية :
أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال.
أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء.
أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم.
أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.
لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية.