أخبار محلية

15 ديسمبر, 2025 10:01:50 م

كتب/ ياسر منصور

لم تكن ساحة الحرية في الحوطة، ذلك اليوم، مجرد فضاء مفتوح تتجمّع فيه الحشود.
كانت وطنًا مؤقتًا، ودولة معلّقة في الهواء، وصوتًا جمع ما تفرّق في صدور الجنوبيين منذ أعوام طويلة.
هناك، لم يكن الناس يعتصمون بقدر ما كانوا يعلنون أنفسهم.

في لحظة نادرة في تاريخ العلاقة بين السلطة والشارع، نزل محافظ لحج من مقام المنصب، وصعد إلى مقام اللحظة.
لم يأتِ محاطًا بصمت البروتوكول، ولا محكومًا بحسابات اللغة الرمادية، بل صعد المنصّة حيث تقف الحقيقة عارية من التجميل:
شعب يريد أن يُسمّى باسمه، وأن تُعاد له دولته.

من أعلى المنصّة، لم تُلقَ كلمة عابرة، ولم تُوزّع مجاملات سياسية.
كان المشهد أبعد من خطاب، وأثقل من بيان.
كان اعترافًا علنيًا بأن ما يهتف به الناس في الساحة ليس نزوة، ولا حالة انفعال، بل إرادة متراكمة دفعتها التضحيات إلى نقطة اللاعودة.

ساحة الحرية، في ذلك اليوم، لم تعد ساحة.
تحوّلت إلى ميزان.
ميزان يزن صدق المواقف، ويفضح التردّد، ويكشف من يقف مع الناس ومن يقف أمامهم.
وهناك، اختارت السلطة المحلية في لحج أن تقف حيث يقف الشعب، لا حيث تقف المخاوف.

حين يبارك مسؤول بحجم محافظ محافظة مطالب إعلان دولة الجنوب العربي، من قلب الاعتصام، فإن المسألة تتجاوز الدعم السياسي.
إنها لحظة تحمّل للتاريخ، لأن بعض الكلمات حين تُقال في العلن، لا تعود ملكًا لقائلها، بل تصبح عهدًا أمام الناس.

ولحج، التي كثيرًا ما قدّمت نفسها هادئة في زمن الضجيج، اختارت هذه المرة أن تتقدّم الصفوف.
لم تنتظر إشارات بعيدة، ولم تتخفّف من ثقل اللحظة.
قالت بوضوح: نحن هنا، مع هذا الخيار، ومع هذا الطريق، مهما كان وعِرًا.
الاعتصام السلمي، الذي أراد له البعض أن يُختزل في مشهد عابر، بدا في الحقيقة أقوى من ألف وثيقة سياسية.
لأن الجماهير حين تصطف بلا سلاح، وتصرّ بلا خوف، فإنها تكتب بيانها بصدورها لا بالأوراق.
وليس عبثًا أن يتلاقى الصوت الشعبي مع الموقف الرسمي في لحظة واحدة.
فحين يحدث ذلك، تسقط لغة التشكيك، ويبهت خطاب التخوين، وتظهر الحقيقة عارية:
القضية الجنوبية لم تعد هامشًا في دفتر السياسة، بل عنوان الصفحة الأولى.

الجنوب، في ساحة الحرية، لم يكن شعارًا يُرفع، بل معنى يُستعاد.
دولة تُستحضر في الوعي قبل أن تُعلن في الجغرافيا.
ومَن ظنّ أن المسألة مجرّد هتاف، لم يسمع جيدًا نبض الأرض تحت أقدام المعتصمين.
قد لا تُعلن الدولة في ذلك اليوم،
لكن المؤكد أن شيئًا كبيرًا تغيّر.
فحين تنطق الساحة، وتؤيّدها السلطة.فإن التأجيل يصبح مؤقتًا…
أما العودة، فتصبح حتمية.




رأيكم يهــمنا

تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية :
أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال.
أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء.
أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم.
أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.
لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية.