كتابات وآراء


03 مارس, 2022 09:16:00 م

كُتب بواسطة : د/مجيب الرحمن الوصابي - ارشيف الكاتب





سيطرت خرافة ( جنية العقبة ) على المخيال الشعبي والتراث الشفهي العجائبي لأبناء عدن ردحا من الزمن ولا سيما بعد منتصف القرن المنصرم ... عندما هدم جسر العقبة بهدف توسعة الطريق في ابريل ١٩٦٣م.... امرأة جميلة برائحة زكية ومنظر خلاب تظهر في بعض الليالي ملوحة بيدها لعابري السبيل ( العقبة ) ترتدي الشيدر العدني ولها ساقا حمار ...أحيانا بيدها مبخرة !!! كثير من الناس اقسموا أنهم شاهدوها بل زعم بعض الشباب أنهم خاضوا حديثا معها؛ وأنها طلبت منهم الزواج والعيش معها في مدينة الجن تحت بحر حقات !!! بعض سائقي المركبات أكدوا أنها استوقفتهم وركبت معهم وفجأة تختفي ... فيلتفتون فلا يروها ... او انها تطلب النزول بجانب إحدى المقابر اسفل العقبة وتختفي داخل المقبرة !!! يقول الباحث والمؤرخ العدني بلال غلام : الكثير منا سمع حكايات عديدة عن (جنية العقبة) ولكن هذه الحكاية هي لسان حال أحد الرواة الذي ذكرها شخصياً وحصلت معه أحداثها؛ ولكن تظل الحقيقة غائبة عن صحة كل ما ذُكر حولها.

أسرد لكم هذه الحكايات المرعبة التي تناولتها الصحافة العدنية آنذاك؛ والتي ذكر تفاصيلها رئيس حزب الأمة : السيد علي أحمد إسماعيل الذي أدعى بأنه التقى بجنية العقبة .. وغلطت به على أنه حسن إسماعيل وزير الأشغال العامة لتشابه بين الأسماء . ويواصل علي أحمد إسماعيل في سرد تفاصيل الحكاية قائلاً:

"توقفت بنا السيارة ذات ليلة في طريق العقبة، ومعي السائق هزاع وهو شاهد عيان على روايتي، ذهبت لقضاء الحاجة وبقى السائق بداخل السيارة، ثم سمعت السائق يناديني بإسمي وهو يرتعب من الظلمة، وعلى صوت السائق فوجئنا بحركة غير عادية وإذا امرأة تخرج لنا من بين الجبال وأقبلت كالعاصفة حتى استقرت أمام السيارة،حتى صعقنا لهول ما تراه أعيننا إلا أني تذكرت في هذه الأثناء قصة جنية العقبة التي كانت قد كتبت عنها الصحافة، وعندها لم أشك في أن هذه هي بعينها وقد أخذت فرائصنا ترتعد وكاد يُغمى علينا عندما
اقتربت مني وقالت من أنت !!؟

قلت لها: أنا علي أحمد إسماعيل رئيس حزب الأمة..
قالت: ألست حسن إسماعيل خذابخش خان؟
قلت: لا ..
قالت: ألا تقرب له؟
قلت: لا من قريب ولا من بعيد
وهنا زمجرت الجنية بغيظ وهي تقول: ليتني أعثر عليه..
قلت: ماذا عمل لك؟

قالت بصوت كالرعد: أنه أقضى مضجعي، فقد كنت أسكن جسر العقبة لأكثر من مئة سنة وجاء ليهدم الجسر عندما فجر الديناميت، قالت هذا ثم عادت إلى الجبل كما خرجت منه وتركتنا السائق وأنا في حالة من الرعب لم يقو معها السائق من قيادة السيارة إلا بصعوبة كبيرة.". هناك قصة واقعية ربما كان لها شأن في إنتشار الخرافة :
في عام 1962 وعندما كانت عدن مستعمرة بريطانية قرر الجنرال ( وليشاير كمشنر ) مسؤول الشرطة إلحاق أول مجموعة من الضباط الخريجين من الثانوية إلى قوة بوليس عدن البريطاني، كانت المجموعة تتكون من الملازم ثاني: محمد حسين باحبيب، نديم عبد الستار، عيديد أحمد شميله، عبد الله سالم الخضر ،سعيد عذب، اسامه علي قاسم.
وصل الضباط إلى معسكر البوليس المسلح حيث تقع مدرسة تدريب للضباط وبجانب المدرسة كانت توجد فيلا مكونة من طابقين ومبنية على الطراز الهندي القديم، كانت من أكبر الفلل في المعسكر وفيها حديقة صغيرة.
في الطابق الأرضي سكن بعض ضباط الصحف المرشحين لدورة الضباط، بينما سكن الضابط الذين ذكرت أسمائهم الطابق الأعلى ومن ضمنهم مؤرخ تاريخي من أبناء عدن يسرد قائلاً :
” كنت ضابطاً أبلغ من العمر 18 سنة ، وفي يوم الأحد كان الجميع يذهب في عطلة فتبقى الفيلا فارغة إلا من الطباخ وهو شخصية ظريفة اسمه عبده وبرفقته ضابط نوبة ، في تلك الليلة صادف أنني كنت ضابط النوبة، كنت جالساً في مكتب القائد أقرأ والساعة تشير إلى ما بعد منتصف الليل وجاء الطباخ يحمل فراشه وهو ينتفض من الخوف والرعب، وقال لي أنه سمع شيء ما في المطبخ أشعل النور وفتح صنبور الماء ! ، لم أكن أؤمن بتلك الخرافات وذهبت معه إلى الفيلا ودخلت المطبخ ولكن مما أثار إنتباهي بشدة أنني وجدت المواعين مبعثرة وكان النظام العسكري الصارم جدآ وعلى المطبخ أن يكون مرتبآ بدقة.
في كل ليلة كنت مناوبتي فيها أرى المواعين مبعثرة وأتساءل عن من قام بذلك !، وهذا الذي لم أستطع فهمه طوال السنيين حين أتذكر هذه القصة ، أمرت الطباخ النوم في عنبر الجنود وفي الصباح استدعيت العريف العبار مدربنا العسكر، سألته في هذا الأمر الغريب، ضحك وقال لي هذه قصة غريبة عن الفيلا.
قال لي العريف العبار أنه قبل 12 سنة كان يسكن في هذه الفيلا ضابط هندي يعمل في البوليس المسلح، كانت له زوجة شابة جميلة جدآ، وفي أحد الليالي وهو ينظف مسدسه انطلقت رصاصة بالخطأ واستقرت في صدر زوجته الجميلة فماتت في الحال. فصدُم هذا الضابط صدمة شديدة ولم يستطع حتى العمل بعد ذلك الحادث الأليم فغادرعدن دون
رجعة، بعده أُعطيت الفيلا لعدد من ضباط عرب وإنجليز في البوليس المسلح، كان الجميع يهرب من الفيلا في رعب من شبح تلك الزوجة الهندية الجميلة التي تظهر و تسير في الفيلا ليلآ، وقد اضطر قائد البوليس المسلح في عدن آنذاك اللفتنانت كولونيل شيبرد أن يغلق الفيلا لتبقى مهجورة وعلى الرغم من فخامتها لم يسكنها أي ضابط عربي أو بريطاني.
وفي عام 1962 قرروا إعطائها لنا عند حضورنا الدورة التدريبية للضباط كان فكرتهم مستندة إلى إننا مجموعة والفيلا ستكون دوما مكتظة بالسكان مما لايسمح لشبح تلك السيدة الهندية بالظهور ،كانت روحها تهيم في نفس المكان التي ماتت فيه، وحلفني العريف العبار أن لا أخبر أحد في هذه القصة في ذلك الوقت حتى لا تحدث بلبلة.
استدعيت الطباخ في الصباح وطلبت منه عدم ذكر القصة مطلقآ وأمرته في العطلة حين تكون الفيلا فارغة عليه أن ينام في عنبر الجنود مع الجنود، وكانت هذه الفيلا من أحسن الفلل في معسكر البوليس المسلح في عدن “.
((نبذة عن باب عدن))
باب عَدَن أو العقبة هو أحد المنافذ البرية الذي يربط مدينة عدن (أو كريتر التاريخية ) بمدينة المعلا من ناحية الغرب، وتقع العقبة في نهاية النفق الكبير (البغدة الكبيرة)، ويقع باب عَدَن أسفل جبل التعكر ويسمى باب الب، وأطلقت عليه تسميات أخرى أيضًا مثل باب اليمن وباب السقايين والباب، وقد وصفه المؤرخ الهمداني بقوله: ” شصر مقطوع في جبل ” ، وتعيد بعض المصادر التاريخية بناء باب عَدَن إلى شداد بن عاد حيث تم نقب باب في الجبل وجعل عَدَن سجنًا لمن غضب عليه .
وقد قام الملك الناصر الرسولي، بتوسعة في باب عَدَن البري كما تفيد رواية كتاب تاريخ الدولة الرسولية، وذلك ما أطلق عليه اسم باب الزيادة الذي شيد في سنة 809 هـ بالقرب من باب عَدَن القديم ، ويشير الأستاذ المؤرخ حسن صالح شهاب إلى أن باب الزيادة السالف ذكره هو باب العقبة، ويحتل باب عَدَن (العقبة) موقعًا استراتيجيًا هامًا، وقد كانت بوابته في السابق تفتح صباحًا وتغلق مساءًا وقد بنى عليه الإنجليز جسرًا في يناير 1867، وهدم ذلك الجسر فينا بعد في عام 1963 بهدف توسعة الطريق وتمت في البوابة خلال عهود الأتراك والإنجليز الكثير من التوسعات والترميم والتمهيد .