كتابات وآراء


20 مارس, 2023 02:21:00 ص

كُتب بواسطة : د/مجيب الرحمن الوصابي - ارشيف الكاتب


"
مفتونٌ بهذهِ الاسْتعارةِ البلاغيّةِ "الجنوبُ قادمٌ" حدَّ الوَلَه- دونَ خُصومةٍ؛ إنّما أخشى فِتنتَها!.. الفتنةُ هُنا في هذا الخطابِ بمعانيها المتناقضة بين الإعجابِ والدَّمارِ، بينَ الحربِ والسلام، الحبّ والكراهيّة، هي مدار بحثٍ لِسانيّ قدحَ في رأسي، وشجَّعني عليه بعضُ الأحبابِ.

والفتنةُ من ألفاظِ التضادِ؛ فثمَّةَ فِتنةٌُ من الافتتانِ بالجمالِ، وفتنةٌ من الفِتَن " ما ظهر منها وما بَطَن" أجاركم الله!... الأوّل بَهجةٌ، الثاني غَثَيَانٌ "هي أشدُّ من القتل".

لنتمثّل حقيقةً أو نفترضَ جدلاً أنّ الرئيس عيدروس الزُّبيدي يُلقي خطابا؛.. ثم يتلفظ ُبحماسٍ جملةَ الاستعارةِ: (الجنوبُ قادمٌ)) بينَ أنصارِهِ وشعبِه .. بتاريخِه النِّضالي.. أوجاعِ تسلُّط ِصنعاءَ، مركزيّتها القاهرة؛ حربُها وجراحُها ، التي-هيهات- ما انْـدَمَلَتْ. ..

( الجنوب قادم ) ليست جملة إنما خطاب.... خطاب ذو قصد بلاغي؛ رادا على خطابات سياقية مضمرة: قهر الرجال 94؛ وفتوى الديلمي حيث أباحت الجنوب.

علينا أنْ نستشعرَ الموقفَ ليكونَ لنا وعيٌ كوعي تلك الجماهيرِ الهادِرَةِ التي تُثِيرُها الكلمة/الخطاب! (الجنوبُ قادمٌ ) فتنهضُ بحماسٍ هاتفةً (بالروحْ بالدّمْ نفديكَ يا جنوبْ) هذا الأصلُ في تأويلِ مقصد المتكلِّمِ، حُسْنُ الظّنِّ لكن كيف يتحوَّل المدلول لجملةِ ((الجنوبُ قادمٌ)) إلى السَّلْبِ فتثير الألمَ و التذمُّرَ؛ السُّخرية، كما سنرى لاحقاً... هل للخطاب علاقةٌ بالمتلفِّظ أم بالمتلِّقي؟... بالكاتب أو القارئ أم بالاثنين معًا؟

الحقُّ يٌقالُ: اُستُخدِمت هذهِ الاستعارة(الجنوبُ قادمٌ) بذكاءٍ كاستراتيجيةٍ للإقناع في الخِطابِ المُوَجَّه لأنصارِ القضيّةِ الجنوبيةِ؛ محققةً عدداً من الوظائف، وما زالت إلى حدٍّ ما أداةً لصياغةِ الهُويّة الجنوبية أوإعادة تشكيلها، فغدت ترمومترَ الولاءِ والبراءِ عندَ أصحابِها، وهي أخطر استعارة في تاريخ الخِطاب السياسي في اليمن على الإطلاق، نحاولُ تفكيكها وتبيان تجلِّياتها ووظائفها ،آليَّاتُ اشتغالها، نحاول فهمها فربّما بالفهم نمنح أنفسنا فُـرَصَاً مُذهلة للتقدُّم نحو السَّلام على الأقل تقليص التنافس العنيف بين المتنازعين.

هُنا تنازعٌ حولَ الخطاب بين الذَّوات النَّاقلة والمؤوِّلة، وبقدر غَرابة المعنى وخَرْقِهِ لسياقات الألفة ، يكثرُ الشِّقاقُ تأويلاً وتفسيراً؛ وهذه أمُّ الفِتَن. هل يجوز لنا أن نجري محاولةً لفهم كيف يفهم الناس هذه العبارة(الجنوبُ قادمٌ)؟
أم أنّها مجرَّد مقولةٍ مستهلكةٍ ومن التَّرَفِ الخوضُ في شرحها!

يمكن تقديم ثلاثة مستويات دلالية لاستعارة ( الجنوبُ قادمٌ ) نسمّي الأوّل خطابَ الأمل والثاني خطابَ الألمِ والثالث خطاب السُّخريّة، ومجموع الثلاثة يا أمَّ عمْرو خطابُ فتنةٍ وافتتانٍ.

سنحاول تفكيك خطاب هذه الاستعارة البلاغية بتتبُّعها عند المتنازعين من ساسة وإعلاميين وأكاديميين وإجرائها على ألسنتهم لتتبُّع مقاصدهم، ونخرُج باستنتاجاتٍ مهمَّة، مع ملاحظةِ جَعْلِ هذه المقالةِ حلقةً في سلسلة بحثٍ موسومٍ بــ( الاستعارة في الخِطاب السياسيِّ اليمنيِّ) لمتابعتها على صفحتنا ... الرابط التالي:

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=5914199171942211&id=100000565614437&mibextid=Nif5oz

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=6402102373151886&id=100000565614437&mibextid=Nif5oz

مجيب الرحمن الوصابي