18 يوليو, 2025 05:26:04 م
كتب/ياسر منصور
في دهاليز السياسة اليمنية، كثيرٌ من العهود تُكتب، وكثيرٌ من الدم يُسفك. لكن قليلٌ من الصدق يبقى حيًّا وسط عاصفة التناقضات. بين رجال يرفعون شعار "الوحدة أو الموت"، وآخرين يُبشّرون بـ"التحرير ثم الانفصال"، تضيع الحقيقة ويضيع معها الشعب.
في كل مرة يخرج صوت من الماضي، يذكّرنا بأن وحدة اليمن كانت أعظم منجزٍ وطني، نُصاب بالحنين المشوب بالخذلان. كيف لا، ونحن نرى تلك الوحدة تُداس بخطابات مزدوجة، وتحالفات هشة، ووعود لا تلبث أن تُكسر قبل أن يجفّ حبرها؟
يخرج شيخٌ شاب، يحمل إرث والده، يُبشّر بأنه سيصون اليمن مهما عظُمت التحديات. وبالمقابل، شريكٌ في الطريق، كان قد وعد بمساندة هذا الحلم، ينقلب على كل شيء في لحظة غضب، أو لحظة صدق، لا نعلم. يصف صنعاء بأنها رهينة منظمة إرهابية، ويعد شعبه بالاستقلال، لا التحرير. أيّ تحرير هذا، إن كان الثمن 150 ألف شهيد؟ هل هي ثورة أم مقصلة؟ طريق آمن أم مشروع فناء جماعي؟
الوطن ليس معادلة سياسية تُوزَّع فيها المغانم على الطاولة. الوطن نبض حي، إذا خنقته المزايدات مات. وعد صنعاء ليس رخصة لاجتثاث الجنوب، ووعد الجنوب ليس ذريعة لبيع صنعاء. والرجال الذين وقّعوا على الورق، يبدو أنهم نسوا توقيعهم حين علا صوت المدافع، وانخفض صوت العقل.
ما بين قناص يقبض على بندقيته في صمت، وقائد يزمجر أمام الجماهير، تضيع الحقيقة. لا ندري: من يقاتل من؟ من يعاهد من؟ ومن يخدع من؟
إننا لا نحمل عداءً لأحد، لكننا نحمل همًّا كبيرًا: أين تذهبون بهذا الوطن؟
وما الذي بقي من الشراكة حين تُختصر في كلمات، وتُنقض بالأفعال؟
كيف يمكن أن نصدق من يدعونا إلى طريق آمن، ويطلب منا أن نحمل على أكتافنا شهداء بعدد مدينة كاملة؟
كيف نصفق لرجل يحذّر من الفشل، ثم يركب موجة الخداع السياسي بكل ثقة؟
لا نحتاج إلى صراخ، بل إلى صدق. لا نريد شعارات، بل مسار واضح.
فهذا الوطن الممزق لم يعد يحتمل، وهذا الشعب المتعب لم يعد يُخدع بسهولة.
وإما أن نكون شركاء في حلمٍ صادق، أو لنكن صادقين في الفُرقة.
لكن كفانا مراوغة، وكفانا من يضع في أذنه طينًا وعجينًا.