أبحـاث ودراسات

22 مايو, 2023 09:50:28 م

(صوت الشعب) إعداد القاضي أنيـس جمعـان:

- بصمة الإصبع :

▪️البصمة كلمة تركية، يدل معناها على الطباعة، وبصمة الإصبع بالإنجليزية: (fingerprint)‏ هي علامة مميزة لكل شخص أثبتها العالم وليم هرشلو يتم إعتمادها في التّعرف على هوية الشخص وعادة تكون بصمة الإبهام، ولا يكون هناك شخصين على كوكبنا يحملان نفس بصمة الاصبع، وبالرغم من التشابه الكبير في ما بينها، إلا أن الاختلاف يكون في التفاصيل التي يصعب تحديدها، أضافة إلى ذلك
بصمة الإنسان تبقى كما هي منذ الصغر وإلى مماته.

علم بصمات الأصابع :

▪️بصمات الأصابع هي شكل من أشكال البيولوجيا الإحصائية، وهي علم يستخدم خصائص الأفراد الجسدية والبيولوجية لتحديد هويتهم، فلا يوجد شخصان لديهما بصمات الأصابع نفسها، حتى ولو كانا توأمين متماثلين، كذلك فإن بصمات الأصابع لا تتغير، حتى عندما تتقدم بنا السن، إلا في حال دُمرت الطبقة العميقة أو الأساسية لهذه البصمات أو غُيِّرت عن قصد بعملية جراحية تجميلية، وللبصمات ثلاثة أنماط أساسية تدعى الأقواس، والحلقات، والدوامات، وما يجعل كل بصمة فريدة من نوعها هو شكل التفاصيل الصغيرة في هذه الأنماط، وحجمها وعددها وترتيبها، يمكن أن تؤدي بصمات الأصابع دوراً حاسماً في التحقيقات الجنائية لأنها كفيلة بتأكيد أو دحض هوية شخص ما ..

▪️وبصمة الإصبع، هي نتوءات بارزة في بشرة الجلد تجاورها منخفضات، ولكل شخص شكلاً مميزاً، وقد ثبت أنه لا يمكن للبصمة أن تتطابق وتتماثل في شخصين في العالم حتى التوائم المتماثلة التي أصلها من بويضة واحدة، وهذه الخطوط تترك أثرها على كل جسم تلمسه وعلى الأسطح الملساء بشكل خاص، لذلك فإن التّعرف على بصمة الإصبع يشير إلى آلية التحقق من تطابق بصمتي إنسان، وتعتبر بصمة الأصابع أحد أنواع المقاييس الحيوية المستخدمة في التحقق من الهوية وتوثيقها ..

▪️لهذا أصبح علم البصمات واقعاً في عالم الجريمة، وكانت تضاهي يدوياً وبالنظر بالعدسات المكبرة، والآن يكتشف تطابق بصمات الأصابع بوضعها فوق ماسح إلكتروني حساس للحرارة، فيقرأ التوقيع الحراري للإصبع، ثم يقوم الماسح بصنع نموذج للبصمة ومضاهاتها بالبصمات المخزونة، وهناك ماسح آخر يصنع صورة للبصمة من خلال التقاط آلاف المجسات بتحسس الكهرباء المنبعثة من الأصابع، وكان يواجه الطب الشرعي مشكلة أخذ البصمات لأصابع الأموات حتى بعد دفنهم، لأنها ستكون جافة، لهذا تغمس في محلول جليسرين أو ماء مقطر أو حامض لاكتيك لتطري، ولو كانت أجهزة اليد مهشمة أو تالفة يكشط جلد الأصابع ويلصق فوق قفاز «جوانتي» طبي ثم تؤخذ البصمة، وعادة
يتم إستخدام البصمة باليد اليسرى، لإن الإنسان عادة يستخدم اليد اليمنى بكثرة مما قد يعرض السبابة اليمنى للجرح والتشوه، لذا يتم إستخدام السبابة اليسرى لخلوها من تلك التشوهات ..

▪️لقد نشر الكاتب ساينس باديز، سفينيا لونر بتاريخ 31 يوليو 2017م في مجلة ساينتفك أمريكان موضوعاً عن علم الأدلة الجنائية (البحث عن بصمات الأصابع) ذكر فيها معلومات أساسية عن بصمة الإصبع إنها تمثل وسيلةً مضمونة لتحديد المشتبه به، وثمة أنواع مختلفة من بصمات الأصابع التي يتركها الإنسان وراءه، بصمة على سطح ناعم مثل الشمع أو الصابون، وبصمة ظاهرة للعين المجردة مثل البصمات التي تتركها الأيدي المتسخة، أو بصمات خفية، تكون غير مرئية بالعين المجردة، وتتكون البصمات الخفية من ماء وأحماض دهنية، وأحماض أمينية وثلاثي الجليسريد، بعبارة أخرى، تنتج هذه البصمات عن العرق والزيوت التي يفرزها جلد الإنسان تلقائياً، ولإظهار هذه البصمات الخفية، يجب أن تعثر على طريقة لكشف أحد العناصر الموجودة في هذه البصمات الخفية، وأسهل وسيلة لتحقيق ذلك تتمثل في نثر مسحوق ناعم للغاية يلتصق بالزيوت الموجودة في بصمات الأصابع، وبمجرد أن تصبح بصمات الأصابع مرئية، يمكن رفعها من على السطح باستخدام شريط شفاف ونقلها إلى سطح آخر لأخذها إلى المختبر وتحليلها هناك وتتضمن الطرق الأخرى استخدام عناصر كيميائية تتفاعل مع الأحماض الأمينية أو الماء الموجود في بصمة الأصابع، ويؤدي التفاعل الكيميائي إلى بصمات ملونة يمكن تحليلها بسهولة بعد ذلك، وهناك العديد من العوامل التي تحدد جودة بصمات الأصابع على الأسطح. أحد أهم هذه العوامل هو طبيعة وبنية السطح نفسه، فالأسطح الجافة الملساء التي لا تحتوي على أشكال هي أفضل الأسطح للحصول على بصمات واضحة، وكلما زادت خشونة السطح أو مساميته، أزدادت صعوبة الحصول على أدلة واضحة من بصمات الأصابع من فوقه ..

التطور التاريخي لعلم بصمة الإصبع :

▪️يعد أستخدام بصمة الإصبع كنوع من التوقيع من أقدم التوقيعات التي أستخدامها الإنسان، فلقد عرفها قبل معرفته للكتابة ؛ إلا أنه لا يوجد تاريخ محدد يؤكد متى تم أستخدام البصمات لكن معظم البحوث والدراسات تشير إلى الصينيون هم من أكتشف بصمة اليد منذ 2000 سنة، فهي من أوائل الدول التي أستخدمت البصمات للتحقق من الهوية على أنهم أول من أستخدم البصمة كأداة لتوقيع الأباطرة على الوثائق المهمة والمعاهدات ببصمات إبهامهم، لكن هذا الاستخدام كان مقتصراً على التوقيع ولم يتخطى ذلك، حيث تشير بعض الكتب الصينية القديمة إلى أستخدام البصمات فى إبرام العقود التجارية وعقود الزواج والطلاق، إذ كانت الأمم القديمة تقوم بتوثيق الكثير من أعمالها القانونية والاتفاقات والتعريف ببعض الأشخاص عن طريق أخذ بصمة الأصابع على ألواح من الطين حتى تجف او غيرها، تم ذلك مع بعض المعتقلين وفي بعض التجارات والاتفاقيات بدلا من الأختام أو معها وكذلك مع بعض طلبات الطلاق من الأميين الذين لا يعرفون الكتابة وأيضا في التعرف على آثار بعض اللصوص ومحاكمتهم، وقد تم العثور على آثار وكتابات تؤرخ كل ذلك في الصين القديمة واليابان وفارس وبابل ومصر وغيرهم ، وفي الدولة الفارسية وجد أن معظم الأوراق الحكومية الرسمية كانت تختمم ببصمات الأصابع، وكان يجرى ذلك بحضور مسئول حكومي، وعادة يكون طبيباً، كان هذا في القرن 14، وكان من أشهر من لاحظوا تفرد البصمات بين الأشخاص مما يؤهلها للتوثيق والتفرقة بينهم : المؤرخ الصيني كيا كونغ ين Kia Kung-Yen - وقد ذكر ذلك عن الصينيين وأكده الطبيب المسلم الفارسي رشيد الدين حمداني حيث قال في كتابه (جامع التواريخ) 1305م : (أثبتت التجارب أنه لا يوجد شخصان لهما أصابع متماثلة) ..

▪️ ففي عام 1665 ذكر الطبيب الإيطالي مارسيلو مالبيغي وجود تشكيلات محددة من البروزات والغدد العرقية على أطراف الأصابع، وفي عام 1684 نشر الطبيب الإنجليزي وعالم النبات نحميا غريو أول ورقة علمية لوصف تشكيلات بروزات الجلد الذي يغطي الأصابع وراحة اليد، أما في عام 1685 فقد نشر الطبيب الهولندي غوفار بيدلو كتابا عن التشريح الذي يوضح أيضا تشكيلات بروزات الأصابع، ولعل من أشهر التأكيدات الحديثة على نفس ما قاله القدماء كان إقرار عالم التشريح الألماني يوهان كريستوف أندرياس ماير عام 1788م بأن بصمات الأصابع هي فريدة لكل فرد، فبصمة الإنسان تبقى كما هي منذ الصغر وإلى مماته، الذي لم يكتف بمجرد الكلام بل أخذ بصمة اصبع من يده اليمنى ثم قارنها بنفس البصمة بعد 40 عاماً ..

▪️الحقيقة أن بصمة الأصبع مرت بعدة تطورات على مدار التاريخ ولكن الحقبة الأهم في هذا التطور والتي شهدت قفزات متعاقبة في هذا العلم كانت في مطلع القرن الـ 19، حيث أستخدم الإنجليز البصمات عندما كانوا في إقليم البنغال بالهند للتفرقة بين المساجين والعمال هناك ، لأنهم أكتشفوا أن البصمات لاتتشابه من شخص لآخر ولا تورث حتى لدى التوائم المتطابقة (المتشابهة)، وقد فعل الحاكم الإنجليزي هرتشل في مقاطعة البنغال عندما قارن بين بصمتين له واحدة وعمره 27 سنة والأخرى وعمره 82 سنة فلم يلحظ أي تغيير يذكر ..

▪️في عام 1823م كانت أولى هذه القفزات العلمية على يد العالم التشيكي جون إيفان جليستا بركنجي عالم التشريح ووظائف الأعضاء، الذي وجد أن الخطوط الدقيقة الموجودة في رؤوس الأصابع (البنان) لها أنواع فريدة عند كل شخص مكونة من تشكيلات أقواس أو دوائر أو عقد أو على شكل رابع يدعى المركبات لأنها تتركب من أشكال متعددة، وأستطاع تقسيم بصمات الأصابع من خلال رأس الإصبع إلى تقسيمات ثلاث وهي قوسية و دائرية وعقدية، ووضح أن خطوط الأصابع الدقيقة لا يمكن أن تتشابه مع شخص آخر لكن دون أن يقدم إثبات علمي صارم على هذا، كما ينسب لبركنجي الفضل في أستخدامه للمشرط كونه أول من أدخله في الشرائح الدقيقة في فحص الأنسجة تحت الفحص المجهري ..

▪️وفي عام 1877م أخترع الطبيب الاسكتلندي هنري فولدز طريقة حديثة لوضع البصمة على الورق باستخدام حبر المطابع، حيث أستطاع تصوير حلقات البصمة وكان التصوير يتم باستخدام الحبر الأسود حتى أستطاع وضع البصمات على ورق المطابع ..

▪️وفي عام 1892م أستطاع العالم الإنجليزي الدكتور فرانسيس غالتون إثبات عدم تطابق البصمة بين إنسان وآخر كما أكد على أن البصمة تختلف بين أصابع الإنسان الواحد فبصمة السباب تختلف عن بصمة الإبهام، لهذا هو أول من أثبت أنه لا توجد بصمتا إصبعين متطابقتان، كما أكد أن صورة البصمة لأي إصبع تبقى كما هي طوال حياته، فلا تتغير رغم كل الطوارئ التي قد تصيبه، وقد تمكن فرانسيس غالتون من أثبات عدم تغير البصمة مع مرور الوقت وأنها تحتفظ ببصماتها وتمكن التأكيد هذا من دراسته للجثث الفرعونية المحنّطة من خلال فحصه لمومياء مصرية محنّطة أكتشف أنها ما زالت محتفظة ببصماتها بشكل واضح، وأكد على أن بصمة الإنسان تتشكل عندما يكون في بطن أمه،
حيث لا يوجد شخصان في العالم كله لهما نفس التعرّجات الدقيقة وأنها تظهر على أصابع الجنين وهو في بطن أمه عندما يكون عمره بين 100 يوم إلى عمر 120 يوماً ..

▪️في صيف عام 1892م كانت الأرجنتين هي أول دولة أستخدمت نظام بصمة الإصبع في تحديد هوية المجرم، حينما قام مسئول بالشرطة الأرجنتينية ويدعى جوان فيوززيدتش، بعمل نظام يحدد هوية المجرمين من خلال بصمات أصابعهم، عندما حدثت جريمة قتل في إحدى القرى الأرجنتينية، وتعود القصة لسيدة تُدعى فرانشيسكا روهاس عثرت على جثة طفليها داخل المنزل، وقد أخبرت فرانشيسكا الشرطة أنها كانت خارج المنزل حال وقوع الحادثة، وبرجوعها للمنزل رأت طفليها غارقين في دمائهم، وقد أخبرت الأم الشرطة بأنها تعرف القاتل وهو صديق لها يدعى بيدرو فلاسكوز كان يريد الزواج منها لكنها كانت ترفض، وقد هددها مراراً وتكراراً بقتله لأولادها إذا رفضت الزواج منه، كما أكدت أنها رأته خارج من منزلها وقت وصولها للمنزل، وقد ألقت الشرطة على بيدرو فلاسكوز ووجهت له تهمة القتل العمد لكنه أنكر قيامه بقتل الأطفال وأقر بعلاقته بالزوجة، لكن أصر على عدم قيامه بالقتل لأبناء فرانشيسكا ومع إصراره هذا أذاقته الشرطة الأرجنتينية سوء العذاب ولكنه بقى مصراً على قوله بأنه لم يقتل الأطفال وعلى الرغم بأن هذا التعذيب لم يسبق أن يتعرض له شخص و إلا وقد كان معترفاً حتى وأن كان بريئاً، وهو ما جعل الشرطة في حيرة من أمرها وقررت أعادة تفتيش المنزل ولم يتركوا مكاناً إلا وقد قاموا فيه بالبحث حتى وجدوا دماء على باب البيت، وقرر وقتها ضابط التحقيقات الأرجنتيني جوان فيوززيدتش خلع إطار الباب الذي كان يحمل بقعة الدماء ليقارنها ببصمة المتهم بيدرو ومن خلال صديق للضابط كان مختصاً في هذا العلم، وأخذ بصمات المتهمين وكل من له صلة بالحادث وقارنها بالبصمات المرفوعة، أستطاع أثبات براءة بيدرو وبعد مطابقته لبصمات الأم أكتشف التطابق بينهما وبمواجهتها أعترفت الأم بقتلها لأطفالها لرغبتها بالزواج من صديق آخر لها كانت على علاقة آثمة معه قدمت الأم للمحاكمة وقضى عليها بالسجن مدى الحياة، وبعد هذه الواقعة أقرت الحكومة الأرجنتينية نظام بصمة الإصبع في تحديد هوية المجرمين ..

▪️وفي عام 1893م طبقت شرطة التحقيقات الشهيرة في لندن سكوتلانديارد نظام التّعرف على المجرمين من خلال بصمات أصابعهم، وهذا النظام الذي قام بتأسيسه وتطويره مفوض اسكتلنديارد السير ادوارد هنري مع بعض التعديلات، حتى أصبح نظام البصمات هو النظام الأول المستخدم لدى جميع أجهزة الشرطة في الكشف عن هوية القتلة والمجرمين في جميع بلاد العالم، وهو النظام الذي تطبقه دوائر الشرطة في العالم إلى اليوم، وهو نظاماً سهلاً لتصنيف وتجميع البصمات رسمياً حيث أعتبر أن بصمة أي إصبع يمكن تصنيفها إلى واحدة من ثمانية أنواع رئيسية، وكذلك أعتبر أن أصابع اليدين العشرة هي وحدة كاملة في تصنيف هوية الشخص، وتم بالفعل إدخال نظام هوية البصمات في نفس العام كدليل قوي في دوائر الشرط والمحاكم والدوائر القانونية في اسكتلنديارد، ثم أخذ العلماء منذ أكتشاف البصمات بإجراء دراسات على أعداد كبيرة من الناس من مختلف الأجناس فلم يعثر على مجموعتين متطابقتين أبداً ..

▪️ومنذ عـام 1910م أخذت الأدلة الجنائية تضع في الحسبان الآثار التي يخلفها المجرمون وراءهم في مسرح الجريمة رغم عدم وجود آثار بصمات أصابع لهم، فلقد اتخذ الشعر والغبار وآثار الأقدام والدهانات أو التربة أو مخلفات النباتات أو الألياف أو الزجاج كدلائل إسترشادية للتوصل إلى المجرمين، ويمكن جمع بعض الآثار من مكان الجريمة بواسطة مكنسة تشفط عينات نادرة من هذه المواد وقد تكون قد علقت بإقدام المشتبه فيهم ..


بصمة الإصبع وفترة بقائها في مسرح الجريمة :

▪️لا توجد طرق علمية يمكنها تحديد طول الوقت الذي تستغرقه بصمة الإصبع على جسم ما، وهناك العديد من العوامل التي تحدد المدة التي تستغرقها بصمة الإصبع على أي جسم، ومع ذلك، تم أكتشاف بصمات الأصابع على أشياء يعود تاريخها لأكثر من 40 عاماً، في بعض الأحيان لا يمكن العثور على البصمات على أشياء تم العبث بها مؤخراً، الخلاصة ان بصمات الأصابع يمكنها الاستمرار لمدة طويلة من الزمن تصل لأكثر من 40 سنة، لكن الظروف المحيطة بالجسم او الكائن هي السبب الأهم في أستمرار أو عدم استمرار بصمات الاصابع، وبالنسبة للوقت المحدد لبقاء البصمات، فلم يتم تحديد وقت معين حتى يومنا هذا ..

▪️في عام 2014م ذكر خبراء الطب الشرعي في هولندا أنهم قد توصلوا لطريقة تمكنهم من تحديد التاريخ الدقيق الذي تعود إليه بصمات الأصابع، حيث أن إكتشافاً كهذا قد يساعد الشرطة يوماً ما على أكتشاف الجرائم التي ترجع إلى سنوات عديدة، وقد ذكر مارسيل دي بوي وهو باحث متخصص بالبصمات من معهد الطب الشرعي الهولندي أن الشرطة تطلب منهم بانتظام إن كان بمقدورهم تحديد التاريخ التي تعود إليه البصمات في مسرح الجريمة، فعلى سبيل المثال إذا ما وجدت بصمة لأحد الجيران في مسرح لعملية سطو، سيصبح بإمكان الشرطة تحديد فيما إذا كانت هذه البصمة تعود لوقت سابق لوقوع الجريمة، أو إذا ما كانت تعود إلى ليلة وقوع الجريمة، فإمكانية تحديد تاريخ البصمة يمكن أن يحدد الوقت الذي كان فيه المشتبه به في مكان الجريمة، أو حتى تحديد البصمات التي قد يكون لها صلة بالجريمة، وتترك بصمة الإصبع عادة علامة فريدة من نوعها يمكن أن يتم نسخها ومقارنتها مع مجموعة من البصمات الموجودة في قاعدة بيانات لدى الشرطة، وقد ظهرت هذه التقنية لأول مرة في بداية القرن الماضي، وتكون البصمة بحد ذاتها مكوّنة من العرق والشحوم، بما في ذلك مزيج معقد من الكوليسترول والأحماض الأمينية والبروتينات، ويمكن تحليل المواد الكيميائية في هذه البصمات، وبما أن بعض هذه المواد تختفي مع مرور الوقت، فإن نسب هذه المواد الكيميائية الموجودة في البصمة هي التي تسمح بتحديد تاريخها، حيث يمكن للأطباء الشرعيين تقدير التاريخ الذي تعود إليه البصمة، إذا لم تكن البصمة تعود إلى تاريخ يزيد عن 15 يوم من يوم أرتكاب الجريمة ..

أساليب مبتكرة لتزوير بصمات الأصابع :

▪️في عام 2010م قال متخصصون في الطب الجنائي إنهم يواجهون مصاعب متزايدة في التعرف إلى المجرمين، بعد أن انتشرت حول العالم تقنيات جديدة للتلاعب ببصمة الإصبع عبر تشويهها بالحمض أو النار، أو عبر إجراء عمليات جراحية متقدمة تسمح بتغيير شكل البصمة بالكامل، وذكر المتخصصون أن الشرطة في الولايات المتحدة مثلاً أوقفت قبل فترة عصابة تنشط في هذا الإطار، يقودها طبيب من جمهورية الدومينيكان، كان يجري عمليات تغيير بصمات الأصابع للراغبين مقابل 4500 دولار، بينما قال مكتب التحقيقات الفيدرالي إن هناك العديد من الوسائل التي يعتمدها المجرمون في هذا الإطار، وقد رصد مجموعة من الممارسات التي تسمح بالتلاعب بشكل البصمة، وذلك من خلال إنتزاع أجزاء من جلد الأصابع باستخدام الأسنان، أو قطعها بالسكاكين أو حرقها بالحمض والسجائر، وفي الحالات المتقدمة يلجأ المجرمون القادرون مادياً إلى الأطباء لإجراء عمليات، وإن الأساليب الجديدة للتعرف على البصمات تتيح كشف الهويات بالاعتماد حتى على أجزاء صغيرة من البصمة، مضيفاً أن المجرمين يعمدون إلى أختيار وسائل مؤلمة ومعقدة، ولكن نتائجها غير مؤكدة. من جهته، قال جو بولسكي، المدير التنفيذي للجمعية الأمريكية لتحديد الهويات، إن الخبراء في مجال البصمات يمكنهم معرفة أن البصمة خضعت للتلاعب، ما قد يثير الشك لديهم حول هوية صاحبها، ما يعني أن تغيير معالم جلد الأصابع قد يثير الشكوك حول الشخص عوض أن يساعده على الإفلات من قبضة العدالة. يذكر أن محاولات تشويه بصمات الأصابع أو تغييرها ليست فكرة جديدة، إذ أن التاريخ يشير إلى أن الحالة الأولى المسجلة في هذا الإطار تعود إلى عام 1930م، عندما جرى توقيف سارق البنوك الشهير، جون ديلنغر، الذي كان يضلل المحققين عبر استخدام الحمض لحرق بصماته بعد كل سرقة. CNN ..

- الوسائل الحديثة للتّعرف على الهوية :
البصمة الذكية :

▪تعتبر البصمة الذكية أحد أهم الوسائل التنولوجية الحديثة للتّعرف على الهوية، وذلك لدقتها وإستحالة تكرارها بين شخصين، وفي هذا الإطار عرضت مجلة فوكاس الإيطالية قائمة من المعلومات قد لايعرفها الكثيرون عن البصمة الذكية وطبيعة عملها وخصائصها سنقدمهم لكم في التالي:-

(1) تتشكل البصمات عندما تترك الأصابع أو راحة اليد آثار العرق أو أي مادة أخرى التصقت بها على أي سطح، وتمتاز بصمات أصابع اليد والـقدم على حد سواء بأنها غير مرئية وتحتاج إلى عملية كيميائية معقدة للكشف عنها ..

(2) تتكون آثار البصمات التي نتركها على الأسطح من عدد كبير من المواد الكيميائية تفرزها جلودنا أو يمتصها من خلال التلامس مع البيئة المحيطة، ويمكن لتلك المواد التي تفرزها جلودنا أن تكشف الكثير عن صاحب البصمة لايمكن كشفها إلا من خلال تلك المواد ..

(3) كـشف مجموعة من الباحثين من جامعة كورنيل أن المواد التي تخلفها بصمات الإصبع تكشف عن معلومات خاصة بنمط حياة صاحبها مثل نوعية الطعام التي يتناولها ومستحضرات التجميل والأدوية التي يستخدمها ، كما أنها في بعض الأحيان تكشف عما إذا كان صاحب البصمة يتعاطى المخدرات أم لا، كما يمكن للمحققين من خلال البصمة أن يتعرفوا على أماكن بعينها تردد عليها شخص ما ..

(4) يمكن لبصمة الإصبع أن تمحى بسهولة إن تعمد أحد فعل ذلك، إلا أنها في الـوقت ذاته يمكن أن تدوم على السطح الـذي طبعت عليه لفترة تصل إلى 50 عاماً إن لم تمسها يد أخرى، كما توصل العلم إلى 25 طريقة للكشف عن البصمة الذكية ..

(5) يمكن للمحققين الكشف عن الحالة العصبية لصاحب البصمات، إذ أن الإنسان عندما يكون في حالة توتر أو غضب شديد يفرز جسده كميات كبيرة من العرق وهو مايظهر بوضوح على بصمات الأصابـع ..

(6) هناك أشخاص لايمتلكون بصمات أصابع، وتنتج هذه الحال إذ أصيب الأنسان بواحد من ثلاثة أمراض جينية، فضلاً عن ذلك يمكن أن يفقد الإنسان بصمات أصابعه دون الإصابـة بتلك الأمراض إذا كأن يمارس عملاً شاقاً يستخدم فيه كف يده بصفة مستمرة أو بسبب الحروق والحوادث ..

بصمة الحامض النووي (DNA) :

▪️لقد مضى مائة عام على إعتبار بصمات الأصابع كدليل جنائي أمام المحاكم، والآن تعتبر بصمة DNA بالدم أحد الوسائل لتحديد هوية الأشخاص، لأن هذه البصمات DNA مبرمجة على حواسيب لملايين الأشخاص العاديين والمجرمين والمشتبه فيهم، ولن يمر هذا العقد إلا ويكون لكل شخص بصمته DNA محفوظة في السجلات المدنية ومصالح الأدلة الجنائية، ولقد أثارت مسألة بصمات الأصابع وقدرتها على تمييز الشخص عن غيره حفيظة العلماء فبدأوا ينقبون عن بصمات أخرى في جسم الإنسان وكان من أهم البصمات التي توصلوا إليها هي بصمة الحامض النووي المعروف باسم DNA، ولقد كان لاكتشاف هذه البصمة الوراثية أثر مهم على الأطباء والعلماء من أجل تشخيص العديد من الأعراض وتذكر وكالات الأنباء وجميع وسائل الإعلام كيف أن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلنتون ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير حينها وقفا معاً في البيت الأبيض في عشية عام 1999م، وبالتحديد في الدقيقة الثانية عشرة مساء ليلة الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر من عام 1999م ليعلنا للعالم هديتهما لعام 2000م حيث قالا بأن العلماء في البلدين (بريطانيا وأميركا) توصلوا إلى الخارطة الجينية للإنسان (البصمة الوراثية) وأن هذه البصمة ستغير مجريات الأحداث في القرن الحادي والعشرين ..

ما هي البصمة الوراثية؟ :

▪️البصمة الوراثية هي الحمض النووي وهو الذي يحمل المادة الوراثية في الخلايا وهذه المادة لا يوجد فيها أوكسجين والحمض النووي يتكون من أربعة أنواع من القلويات هي ADEMINE وGVANINE وCYSTONINE وTHYMINE ويرمز إلى هذه القلويات بـ A.G.C.T والحمض النووي أو الـ DNA توجد في كل الناس ولكنها غير متشابهة نهائياً، وقد ذكر العلماء أن كل واحد من خمسين مليار شخص تكون بصمته النووية متطابقة، ولهذا فإن المحاكم بدأت تأخذ الحمض النووي في إثبات النسب وفي عمليات الاعتداء على العرض وفي عمليات القتل .. الخ، ومن أهم مميزات هذه البصمة أنها لا تبلى إذا مات الإنسان فلو بقي جزء من لحمه أو عظمه فإن التوصل إلى تاريخه العائلي وإلى هويته يتم بسهولة حتى إن العلماء في عام 2004م توصلوا إلى نوع السم الذي مات به نابليون بونابارت من خلال جزء بسيط من شعرة له محفوظة في متحف اللوفر كما تم التوصل إلى العلة التي مات بها توت عنخ آمون بعد مرور أكثر من ستة آلاف سنة على موته ولكن لأن العلماء حصلوا على جزء صغير جداً من إصبع قدمه تمكنوا من معرفة العمر الذي مات فيه وسبب وفاته ..الخ ..

▪️في الختام بالرغم من ظهور أنواع أخرى حديثة للبصمات هي الأكثر تعقيداً في الوصول لهوية الجناة منها بصمات الأذن واللسان والشعر والمشي والعرق (الرائحة) والمخ (الدماغ) وبصمة الشفاه، وبصمة العين، وبصمة الصوت وغيرهم، الذي سنتطرق لهم في دراسة مستقلة.

لكن سيظل البحث فيها عن بصمة أصابع في مسرح الجريمة هي أساس علم البحث الجنائي، كونها تمثل الوسيلةً المضمونة للتّعرف على الهوية، وهي بصمات مميزة بكل إنسان في هذا الكون لا يشاركه فيها أحد حتى إن كان ذلك الشخص هو توأمه المتماثل، ولقد تجلت قدرة اللَّه سبحانه وتعالى على أن تكون بصمات الأصابع واحدة لا تتغير ولا تتبدل مهما كانت الظروف التي تتعرض لها تلك البصمات، مما يعني أنه حتى تغيير لحم الإصبع وإزالة الجلد عنه وإنبات (نمو) جلد جديد لا يغير بصمات الأصابع بل عندما ينبت الجلد الجديد يحمل نفس صفات البصمات الخاصة بالإصبع السابق، إلا لو كان الضرر الذي وقع على الجلد عميقاً ومشوهاً فتفقد الخلايا الخاصة هذه المعلومات، كذلك تختلف بصمات الرجال عن النساء، ففي الرجل يكون قطر الخطوط أكبر منه عند المرأة، بينما تتميز بصمة المرأة بالدقة وعدم وجود تشوهات تقاطعية في الخطوط، لذلك تختلف بصمات الأصابع اليمنى عن اليسرى، وهذا عكس ما يظنه بعض الناس أن الأصابع متماثلة بالانعكاس بين اليمين واليسار، ولكن العجيب أن الأمر ليس كذلك فسبحان اللَّه العظيم الذي خلق كل شيء فأبدعه ..

------

▪️تم النشر في مدونة القاضي أنيس جمعـان في facebook بتاريخ ٥ أبريل ٢٠١٩م
▪️القاضي أنيس جمعـان




رأيكم يهــمنا

تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية :
أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال.
أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء.
أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم.
أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.
لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية.